وقالت عائشة: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحرى ونحرى، وفى دولتى «1» ، لم أظلم فيه أحدا، فمن سفهى وحداثة سنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو فى حجرى، ثم وضعت رأسه على وسادة، وقمت التدم مع النساء، وأضرب وجهى «2» .
واختلف أهل العلم بهذا الشأن فى اليوم الذى توفى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشهر بعد اتفاقهم على أنه توفى يوم الاثنين فى شهر ربيع الأول.
فذكر الواقدى وجمهور الناس أنه توفى يوم الاثنين لاثنتى عشرة خلت من ربيع الأول لتمام عشر سنين من مقدمه المدينة، وهذا لا يصح، وقد جرى فيه على العلماء من الغلط ما علينا بيانه، وذلك أن المسلمين قد أجمعوا على أن وقفة النبى صلى الله عليه وسلم بعرفة فى حجة الوداع كانت يوم الجمعة تاسع ذى الحجة من سنة عشر، فاستهل هلال ذى الحجة على هذا ليلة الخميس، ثم لا يخلو شهر ذى الحجة والمحرم بعده من سنة إحدى عشرة ثم صفر بعده أن تكون هذه الأشهر الثلاثة كاملة كلها أو ناقصة كلها، أو اثنان منها كاملين وواحد ناقصا، أو اثنان منها ناقصين وواحد كاملا، وأيا ما قدرت من ذلك واعتبرته لم تجد الثانى عشر من ربيع الأول يكون يوم الاثنين أصلا.
وذكر أبو جعفر الطبرى بإسناد يرفعه إلى فقهاء أهل الحجاز، قالوا: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف النهار يوم الاثنين لليلتين مضتا من شهر ربيع الأول.
وهذا القول وإن خالف ما ذكره جهور العلماء فإنه أولى بالصواب، وأمكن أن يكون حقا، فإنه إن كانت الأشهر الثلاثة كل شهر منها من تسعة وعشرين يوما كان استهلال شهر ربيع الأول على ذلك بالأحد فكان يوم الاثنين ثانيه.
وقد حكى الخوارزمى أنه صلى الله عليه وسلم توفى أول يوم من شهر ربيع الأول، وهذا أيضا أمكن وأكثر إذ اتصال النقص فى ثلاثة أشهر لا يكون إلا قليلا، والله تعالى أعلم.
ولما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتفعت الرنة عليه وسجته الملائكة دهش الناس كما روى عن غير واحد من الصحابة وطاشت عقولهم، وأفحموا، واهتلطوا، فمنهم من خبل، ومنهم من أصمت، ومنهم من أقعد إلى الأرض، فكان عمر رضى الله عنه ممن خبل، فجعل يصيح ويقول: إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى وإنه والله ما مات، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فقد غاب عن قومه أربعين