المساحى من جوف الليل من ليلة الأربعاء. وكان الذين نزلوا فى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب، والفضل وقثم ابنا عمه العباس، وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال أوس بن خولى من الأنصار لعلى بن أبى طالب: يا على، أنشدك الله وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: انزل، فنزل مع القوم.
وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفة يلبسها ويفترشها، فأخذها شقران مولاه، فدفنها فى القبر: والله لا يلبسها أحد بعدك أبدا، فدفنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما انصرف الناس قالت فاطمة رضى الله عنها لعلى رضى الله عنه: يا أبا الحسن، دفنتم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قالت فاطمة: كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أما كان فى صدوركم لرسول الله رحمة؟ أما كان معلم الخير؟ قال:
بلى يا فاطمة، ولكن أمر الله الذى لا مرد له، فجعلت تبكى وتندب: وا أبتاه، أجاب ربا دعاه، وا أبتاه من جنة الفردوس مأواه، وا أبتاه، إلى جبريل ينعاه.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر إليها فى مرضه أنه مقبوض منه ولا حق بربه، فبكت مشفقة من فراقه، فأسر إليها ثانية أنها أول أهله لحاقا به، فضحكت راضية بالموت مسرورة بوقوعه فى جنب ما تتعجل من لقائه فى حضرة القدس ومحلة الرضوان والكرامة.
ولما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف المهاجرون والأنصار عن دفنه، ورجعت فاطمة رضى الله عنها إلى بيتها اجتمع إليها نساؤها فقال:
اغبر أفاق السماء وكورت
... شمس النهار وأظلم العصران
فالأرض من بعد النبى كئيبة
... أسفا عليه كثيرة الرجفان
فليبكه شرق البلاد وغربها
... ولتبكه مضر وكل يمان
وليبكه الطود المعظم جوه
... والبيت ذو الأستار والأركان
يا خاتم الرسل المبارك ضنه
... صلى عليك منزل الفرقان
ويروى أيضا أن فاطمة رضى الله عنها أنشدت بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم متمثلة بشعر سميتها فاطمة بنت الأجهم:
قد كنت لى جبلا ألوذ بظله
... فتركتنى أمشى بأجرد ضاح
قد كنت ذات حمية ما عشت لى
... أمشى البرار وكنت أنت جناحى