ولم أر من يوم أعم مصيبة
... ولا ليلة كانت أمر وأفظعا
تعزى بصبر واذكرى الله واعلمى
... بأن سوف يجزى كل ساع بما سعى
ولا تزرئى محض الحياء فتفجعى
... بدينك والدنيا فتزريهما معا
فإن يك قد مات النبى فبعدما
... نعى نفسه بدآ وعودا فأسمعا
إذا ذكرت نفسى فراق محمد
... تهيج حزنى والفؤاد تقطعا
فيالك نفسا لا يزال يزيدها
... على الدهر طول الدهر إلا تصدعا
جزى منك رب الناس أفضل ما جزى
... نبيا هدانا ثم ولى مودعا
فو الله لا أنساك ما دمت ذاكرا
... لشىء وما قلبت كفا وإصبعا
وقد أكثر الشعراء فى تأبينه صلوات الله عليه قديما وحديثا، وقضوا من التفجيع عليه حقا، لا ينبغى أن يكون عهده نكيشا، ولم يمنعهم تقادم الأيام وتطاول الأعوام من تجديد البكاء عليه، ومزيد الحنين إليه، وبحق ما يكون ذلك، فهو الرزء الذى حقه أن ينسى جميع الأرزاء، والحادث الجلل الذى يقبح معه حسن العزاء، وطواعية الأسف عليه دائما من أعدل الشهادات بالإخلاص لمن قام بها واستقام بالنية والقول على سواء مذهبها، جعلنا الله ممن أحبه حقا، وكتبنا فيمن غدا لشفاعته المشفعة مستحقا.
فمن ذلك ما وقفت عليه لأبى إسحاق إسماعيل بن القاسم الغزى الكوفى، المعروف بأبى العتاهية من كلمة:
على رسول الله منى السلام
... ما كان إلا رحمة للأنام
أحيى به الله قلوبا كما
... أحيى موات الأرض صوب الغمام
أكرم به للخلق من مبلغ
... هاد وللناس به من إمام
وأصبح الحق به قائما
... وأصبح الباطل دحض المقام
وقال إسماعيل بن القاسم أيضا من كلمة أخرى:
ليبك رسول الله من كان باكيا
... ولا تنس قبرا بالمدينة ساويا
جزى الله عنا كل خير محمدا
... فقد كان مهديا دليلا هاديا
لمن تبتغى الذكرى لما هو أهله
... إذا كنت للبر المطهر ناسيا
أتنسى رسول الله أفضل من مشى
... وآثاره بالمسجدين كما هيا
وكان أبر الناس بالناس كلهم
... وأكرمهم بيتا وشعبا وواديا
تكدر من بعد النبى محمد
... عليه سلام الله ما كان صافيا
فكم من منار كان أوضحه لنا
... ومن علم أمسى وأصبح عافيا