ركنا إلى الدنيا الدنية بعده
... وكشفت الأطماع منا المساويا
وإنا لنرمى كل يوم بعبرة
... نراها فما نزداد إلا تعاميا
كأنا خلقنا للبقاء وأينا
... وإن مدت الدنيا له ليس فانيا
أبى الموت إلا أن يكون لمن ترى
... من الخلق طرا حيث ما كان لاقيا
حسمت المنى يا موت حسما مبرحا
... وعلمت يا موت البكاء البواكيا
ومزقتنا يا موت كل ممزق
... وعرفتنا يا موت منك الدواهيا
ولأبى عبد الله محمد بن أبى الخصال الغافقى الأندلسى، ومكانه من متانة العلم والدين وصدق المقالة وصحة اليقين المكان الذى يلحقه بأقرانه من العلماء المتقنين، قصائد يرثى بها النبى صلى الله عليه وسلم وعلى آله أجمعين يساجل بها شاعره حسان بن ثابت فى قصائده المتقدمة صوتا بصوت، وكلمة بكلمة، أخبرنا بها وبسائر كلامه نثره ونظمه غير واحد من أشياخنا رحمهم الله عنه فمن ذلك قوله يعارض حسان فى قصيدته الأولى ويمشى فى التفجع والتوجع على طريقته المثلى:
بطيبة آثار تحج وتقصد
... ودار بها الله نور مخلد
ومهبط جبريل بوحى وحكمة
... يبينها للعالمين محمد
ومظهر آيات كأن رسومها
... على ما محى منها البلى يتجدد
وفى مسجد التقوى تأرخ روضة
... عليها من الفردوس كل ممدد
يفاوحها طيب الجنان وتربة
... تبوءها من جنة الخلد أحمد
ومنبره الأعلى على ذروة التقى
... وجذع له فيه حنين مردد
ومولد إبراهيم حيث تمخضت
... به أمه مثوى كريم ومولد
وموقعه من نفسه واختياره
... له اسم خليل الله فخر مشيد
وإعلانه بالحزن تدمع عينه
... له رحمة والنفس ترقى وتصعد
ومبنى على والهدى يألف الهدى
... بفاطمة نور بنور يقيد
ومولد سبطيه وريحان قلبه
... مكانهما من عاتقيه ممهد
وحيث ارتقت منها إمامة مرتقى
... يقوم بها جبالها ثم يسجد
وحيث بنى بالطيبات نسائه
... بعصمته الوثقى وجبريل يشهد
ومتلى كتاب الله فى حجراتها
... يقمن به فى الليل والناس هجد
وتمت لأصحاب الكساء طهارة
... من الله يحييها الكتاب المؤيد
معاهد إيمان تألق نورها
... ففى كل أفق جذوة تتوقد