وكانت أمانا ثم عادت مخافة
... فزائرها فوق الردى يتوسد
فيا أيها الدار التى حق أهلها
... على الناس طرا دائم ليس ينفد
لقد درست منك المغانى وأوحشت
... وكان إليها الدين يأوى ويصمد
ذكرتك ذكرى من يهيم فؤاده
... بقربك لكنى عن القرب مبعد
ومثلت لى فى بهجة الدين والتقى
... وأمر رسول الله يعلو ويمهد
وإذا برقت نورا أسارير وجهه
... فزحزح قطع الليل والليل أسود
وألقت إليه الأرض أفلاذها التى
... تحل بها عقم الأمور وتعقد
وغزو تبوك ثم حج وداعه
... ولم يبق تبين ولم يبق مشهد
ومثلت لى والمسلمون بشكوه
... فرائصهم من روعة البيت ترعد
وقد جلل الدنيا ظلام مطبق
... يخال به ليل على الناس سرمد
فما راعهم إلا وفاة رسولهم
... وكل يرى أن الرسول يخلد
وقد ذهلوا أن التى يقرونها
... إذا جاء نصر الله للموت مرصد
وودع جبريل وداع مفارق
... ولا عود يستثنى ولا وحى يعهد
وأم أبيها مسبلات دموعها
... كما انحل من سلك فريد مبدد
فأودعها سرا بكت من نجيه
... وثنى بسر فانثنت تتجلد
وقد أعلنت عند الرسول بكربها
... لكرب أبيها وهو بالموت يجهد
فقال لها كفى دموعك واصبرى
... فما بعد هذا اليوم كرب يعدد
وبشرها من قرب ملحقها له
... ببشرى حديث صادق لا يفند
فيا من رأى حيا يعزى بموته
... فيرضى كأن الموت خلد مؤيد
فرارا عن الدنيا إلى قرب ربها
... وشجا عليها من حياة تنكد
ولطفا من الله العظيم بصونها
... وباب الرزايا المستكنات مرصد
ولو أنها امتدت طويلا حياتها
... لشرد عنها النوم ليل مسهد
وغصت على قرب بثكل ابن عمها
... وفقد شهيد حزنه ليس يفقد
أقام كتاب الله فى كل مارق
... يقر به فى زعمه وهو يجحد
فقيض أشقى الناس يدنى سعادة
... لمن هو بالإيمان أولى وأسعد
وكيف بها والله يأبى هوانها
... لمصرع سبط أول وهو مقصد
وقد جرعته حتفه كف جعدة
... بمكرع سم مجه فيه أسود
ولو حدثت عن كربلاء لأبصرت
... حسينا فتاها وهو شلو مقدد
وثانى سبطى أحمد جعجعت به
... عتاة جفاة وهو فى الأرض أوحد