الأباء بن قيس يا خالد، حكمك فى بنى أسد، قال: حكمى فيهم أن يقيموا الصلاة، ثم يؤتوا الزكاة، ثم يرجعوا إلى بلادهم، فمن كان له بها مال فليعمده، وليسلم عليه، فهو له. فأقروا بذلك، فنادى خالد: من قام فهو آمن، فقام الناس كلهم، فآمن من قام.
وسمعت بذلك بنو عامر، فأعلنوا بالإسلام، وأمر خالد بالحظائر أن تبنى، ثم أوقد فيها النار، ثم أمر بالأسرى، فألقيت فيها، وألقى يومئذ حامية بن سبيع بن الحسحاس الأسدى، وهو الذى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، استعمله على صدقات قومه فارتد عن الإسلام.
وأخذ أم طليحة، إحدى نساء بنى أسد، فعرض عليها الإسلام، فأبت، ووثبت فاقتحمت النار وهى تقول:
يا موت عم صباحا
... كافحته كفاحا
إذا لم أجد براحا
وذكر الواقدى عن يعقوب بن يزيد بن طلحة: أن خالدا جمع الأسارى فى الحظائر، ثم أضرمها عليهم، فاحترقوا وهم أحياء، ولم يحرق أحد من بنى فزارة، فقلت لبعض أهل العلم: لم حرق هؤلاء من بين أهل الردة؟ فقال: بلغت عنهم مقالة سيئة، شتموا النبى صلى الله عليه وسلم، وثبتوا على ردتهم.
وذكر عن غير يعقوب: أن خالدا أمر بالأخدود يحفر، فقيل له: ما تريد بهذا الأخدود؟ قال: أحرقهم بالنار، فكلم فى ذلك، فقال: هذا عهد الصديق أبى بكر إلى، اقرؤه فى كل مجمع: إن أظفرك الله بهم فاحرقهم بالنار.
وعن عبد الله بن عمر، قال: شهدت بزاخة فظفرنا الله على طليحة، فكنا كلما أغرنا على القوم سبينا الذرارى واقتسمنا أموالهم.
ذكر رجوع بنى عامر وغيرهم إلى الإسلام
ولما أوقع الله ببنى أسد وفزارة ما أوقع ببزاخة بعث خالد بن الوليد السرايا ليصيبوا ما قدروا عليه ممن هو على ردته، وجعلت العرب تسير إلى خالد راغبة فى الإسلام أو خائفة من السيف، فمنهم من أصابته السرية، فيقول: جئت راغبا فى الإسلام، وقد رجعت إلى ما خرجت منه، ومنهم من يقول: ما رجعنا ولكنا منعنا أموالنا وشححنا