وعن محمد بن يحيى بن حبارة، قال: جرحت أم عمارة يعنى يوم اليمامة، أحد عشر جرحا بين ضربة بسيف، أو طعنة برمح، وقطعت يدها سوى ذلك، فرئى أبو بكر يأتيها يسأل عنها، وهو يومئذ خليفة.
وقاتل كعب بن عجرة «1» يومئذ، وانهزم الناس الهزيمة الآخرة، وجاوزوا الرحال منهزمين، فجعل يصيح: يا للأنصار، يا للأنصار الله ورسوله، حتى انتهى إلى محكم بن الطفيل، فضربه محكم، فقطع شماله، فو الله ما عرج عليها كعب، وأنه ليضرب بيمينه، وإن شماله لتهراق الدماء، حتى انتهى إلى الحديقة، فدخل.
وأقبل حاجب بن زيد بن تميم الأشهلى «2» يصيح بالأوس: يا للأشهل، فقال له ثابت ابن هذال: ناد يا للأنصار، فإنه جماع لنا ولك، فنادى: يا للأنصار، يا للأنصار، حتى اشتملت عليه حنيفة، فانفرجت، وتحته منهم اثنان قد قتلهما، وقتل رحمه الله، فخلفه فى مقامه عمير بن أوس، فاشتملوا عليه حتى قتل، رحمه الله.
وكان أبو عقيل الأزرقى، حليف الأنصار، بدرى من أول من خرج يوم اليمامة، رمى بسهم فوقع بين منكبيه وفؤاده، فشطب فى غير مقتل، فأخرج السهم، ووهن شقه الأيسر، وكانت فيه، وهذا أول النهار وجرروه إلى الرحل، فلما حمى القتال وانهزم المسلمون وجاوزوا رحالهم، وأبو عقيل واهن من جرحه، سمع معن بن عدى يصيح: يا للأنصار، الله الله والكرة على عدوكم، وأعنق معن بن عدى يقدم القوم، وذلك حين صاحت الأنصار: أخلصونا، فأخلصوا رجلا رجلا، يتميزون.
قال أبو عمرو: ونهض أبو عقيل يريد قومه، فقلت: ما تريد يا أبا عقيل؟ ما فيك قتال، قال: قد نوه المنادى باسمى، فقلت: إنما يقول: يا للأنصار، لا يعنى الجرحى، قال:
فأنا رجل من الأنصار، وأنا أجيب ولو جبنوا، قال ابن عمر: فتحزم أبو عقيل، فأخذ السيف بيده اليمنى مجردا، ثم جعل ينادى: يا للأنصار، كرة كيوم حنين، فاجتمعوا جميعا يقدمون المسلمين دريئة دون عدوهم، حتى أقحموا عدوهم الحديقة، فاختلطوا واختلفت السيوف بيننا وبينهم، فنظرت إلى أبى عقيل وقد قطعت يده المجروحة من المنكب،