فوقعت إلى الأرض، وبه أربعة عشر جرحا، كلها قد خلصت إلى مقتل، وقتل عدو الله مسيلمة.
قال ابن عمر: فوقفت على أبى عقيل وهو صريع بآخر رمق، فقلت: يا أبا عقيل، فقال لبيك بلسان ملتاث، ثم قال: لمن الدبرة، فقلت: أبشر ورفعت صوتى، قد قتل عدو الله، فرفع إصبعه إلى السماء يحمد الله، ومات، رحمه الله.
قال ابن عمر: فأخبرت أبى بعد أن قدمت بخبره كله، فقال: رحمه الله، مازال يسأل الشهادة ويطلبها، وإن كان ما علمت لمن خيار أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم، وقديمى إسلامهم.
وذكر مجاعة بن مرارة يوما، معن بن عدى، وكان نازلا به ليالى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع خلة كانت بينهما قبل ذلك قديمة، فلما قدم فى وفد اليمامة على أبى بكر، توجه أبو بكر رضى الله عنه، يوما إلى قبور الشهداء زائرا لهم فى نفر من أصحابه يمشون، قال: فخرجت معهم حتى أتوا قبور الشهداء السبعين يرحمهم الله، فقلت: يا خليفة رسول الله، لم أر قوما قط، أصبر لوقع السيوف، ولا أصدق كرة منهم، لقد رأيت رجلا منهم يرحمهم الله، وكانت بينى وبينه خلة، فقال أبو بكر رضى الله عنه:
معن بن عدى؟ قلت: نعم، وكان عارفا بما كان بينى وبينه، فقال: رحمه الله، ذكرت رجلا صالحا، حديثك، قلت: يا خليفة رسول الله، فأنظر إليه وأنا موثق فى الحديد فى فسطاط ابن الوليد، وانهزم المسلمون، انهزمت بهم الضاحية انهزامة ظننت أنهم لا يجتبرون لها، وساءنى ذلك، قال أبو بكر: الله، لساءك ذلك؟ قلت: الله لساءنى، قال أبو بكر: الحمد لله على ذلك، قال: فأنظر إلى معن بن عدى قد كر معلما فى رأسه بعصابة حمراء، واضعا سيفه على عاتقه، وإنه ليقطر دما، ينادى: يا للأنصار، كرة صادقة، قال:
فكرت الأنصار عليه، فكانت الوقعة التى ثبتوا عليها حتى انتحوا وأباحوا عدوهم، فلقد رأيتنى وأنا أطوف مع خالد بن الوليد أعرفه قتلى بنى حنيفة، وإنى لأنظر إلى الأنصار وهم صرعى، فبكى أبو بكر رضى الله عنه، حتى بل لحيته.
وعن أبى سعيد الخدرى، قال: دخلت الحديقة حين جاء وقت الظهر، واستحر القتال، فأمر خالد بن الوليد المؤذن، فأذن على جدار الحديقة بالظهر، والقوم يضطربون على القتل، حتى انقطعت الحرب بعد العصر، فصلى بنا خالد الظهر والعصر، ثم بعث السقاة يطوفون على القتلى، فطفت معهم، فمررت بأبى عقيل الأنصارى البدرى، وبه خمسة عشر جرحا، فاستسقانى، فسقيته، فخرج الماء من جراحاته كلها، ومات رحمه