الله الذى لا إله إلا هو، أما بعد، فقد بلغنى ردة من ارتد قبلك بعد المعرفة بالدين، غرة بالله، والله مخزيهم إن شاء الله، فاحصرهم ولا تقبل منهم إلا ما خرجوا منه أو السيف.
فقد بعثت إليك عشرة آلاف رجل عليهم فلان بن فلان، وخمسة آلاف عليهم فلان بن فلان، وقد أمرتهم أن يسمعوا لك ويطيعوا، فإذا جاءك كتابى هذا فإن أظفرك الله بهم فإياك والبقيا فى أهل النجير، حرق حصنهم بالنار، واقطع معايشهم، واقتل المقاتلة، واسب الذرية، وابعث بهم إن شاء الله.
وإنما هذا كتاب كتبه زياد بيده مكايدة لعدوه، فكانوا إذا قرئ عليهم هذا الكتاب أيقنوا بالهلكة، واشتد عليهم الحصار، وندموا على ما صنعوا، فبينا هم على ذلك الحصار قد جهدهم، قال الأشعث: إلى متى هذا الحصر قد غرثنا وغرث عيالنا، وهذه البعوث تقدم علينا بما لا قبل لنا به، وقد ضعفنا عمن معنا، فكيف بمن يأتينا من هذه الأمداد والله للموت بالسيف أحسن من الموت بالجوع، أو يؤخذ برقبة الرجل كما يصنع بالذرية.
قالوا: وهل لنا قوة بالقوم؟ فما ترى لنا؟ فأنت سيدنا، قال: أنزل فآخذ لكم الأمان قبل أن تدخل هذه الأمداد، بما لا قبل لنا به، فجعل أهل الحصن يقولون للأشعث: افعل وخذ لنا أمانا، فإنه ليس أحد أجرأ على ما قبل زياد منك، قال: فأنا أنزل.
فأرسل إلى زياد: أنزل فأكلمك وأنا آمن؟ قال: نعم، فنزل الأشعث من النجير فخلا بزياد، فقال: يا ابن عم، قد كان هذا الأمر ولم يبارك لنا فيه، وإن لى قرابة ورحما، وإن أوصلتنى إلى صاحبك قتلنى، يعنى المهاجر بن أمية «1» ، وأن أبا بكر يكره قتل مثلى، وقد جاءك كتابه ينهاك عن قتل الملوك من كندة، فأنا أحدهم، وأنا أطلب منك الأمان على أهلى ومالى، فقال زياد: لا أؤمنك أبدا على دمك وأنت كنت رأس الردة والذى نقض علىّ كندة، فقال: أيها الرجل، دع ما مضى واستقبل الأمور إذا أقبلت، قال زياد:
وماذا؟ قال: وأفتح لك النجير، فأمنه زياد على أهله وماله، على أن يقدم به على أبى بكر، فيرى فيه رأيه، وفتح له النجير.
وقد كان المهاجر لما نزل الأشعث من الحصن ليكلمهم، قال لزياد: رده إلى الحصن حتى ينزل على حكمنا فنضرب عنقه، فنكون قد استأصلنا شأفة الردة، فأبى زياد إلا أن يؤمنه، وقال: أخشى أن يلومنى أبو بكر فى قتله وقد جاءنى كتابه ينهانى عن قتل الملوك الأربعة، فأخاف مثل ذلك، مع أن أبا بكر إن أراد قتله فله ذلك، إنما جعل له الأمان على