وقال له طلحة والزبير: ما أنت قائل لربك إذ وليته مع غلظته؟ قال: ساندونى، فأجلسوه، فقال: أبالله تخوفوننى، أقول: استعملت عليهم خير أهلك وحلفت، ما تركت أحدا أشد حبا له من عمر، ستعلمون إذا فارقتموه وتنافستموها.
ودخل عثمان وعلى فأخبرهما أبو بكر، فقال عثمان: علمى به أنه يخاف الله فوله، فما فينا مثله، وقال على: يا خليفة رسول الله امض لرأيك، فما نعلم إلا خيرا، وخرجنا ودخل عمر، فقال أبو بكر: كرهك كاره، وأحبك محب. قال: لا حاجة لى بها، قال:
اسكت، إنى ميت من مرضى هذا، إنى رأيت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنى فقت ثلاث فوقات، فدسعت فى الآخرة طعاما، فمرضت به مرضتين، وهذه الثالثة، فأنا ميت، وإياك والأثرة على الناس، وإياك والذخيرة فإن ذخيرة الإمام تهلك دينه.
ولما توفى أبو بكر رحمه الله، كتب عمر رضى الله عنه، إلى أبى عبيدة: أما بعد، فإن أبا بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ورحمة الله على أبى بكر، القائل بالحق، والآمر بالقسط، والآخذ بالعرف، البر الشيم، السهل القريب، وأنا أرغب إلى الله فى العصمة برحمته، والعمل بطاعته، والحلول فى جنته، إنه على كل شىء قدير، والسلام عليك ورحمة الله «1» .
وجاء بالكتاب يرفأ حتى أتى أبا عبيدة، فقرأه فلم يسمع من أبى عبيدة حين قرأه شىء ينتفع به مقيم ولا ظاعن، ودعا أبو عبيدة معاذ بن جبل فأقرأه الكتاب، فالتفت معاذ إلى الرسول فقال: رحمة الله على أبى بكر، ويح غيرك، ما فعل المسلمون؟ قال:
استخلف أبو بكر، عمر، فقال معاذ: الحمد لله، وفقوا وأصابوا، فقال أبو عبيدة: ما منعنى من مسألته منذ قرأت الكتاب حتى دعوتك لقراءته إلا مخافة أن يستقبلنى فيخبرنى أن الوالى غير عمر. فقال له الرسول: يا أبا عبيدة، إن عمر يقول لك: أخبرنى عن حال الناس، وأخبرنى عن خالد بن الوليد، أى رجل هو؟ وأخبرنى عن يزيد بن أبى سفيان، وعمرو بن العاص، كيف هما فى حالهما ونصيحتهما للمسلمين؟ فقال أبو عبيدة: أما خالد فخير أمير، أنصحه لأهل الإسلام، وأحسنه نظرا لهم، وأشده على عدوهم من الكفار، ويزيد وعمرو فى نصيحتهما وجدهما كما يحب عمر ونحب، قال: فأخبرنى عن أخويك: سعيد بن زيد، ومعاذ بن جبل. قال: قل له هما كما عهدت، إلا أن تكون السن زادتهما فى الدنيا زهادة، وفى الآخرة رغبة.