العاص فيقدم عليك بمن معه من المسلمين، ثم نقيم للقوم حتى يقدموا علينا، فنقاتلهم ونستعين الله عليهم.
فقال شرحبيل بن حسنة: لكنى أرى إذ خلينا لهم ما خلينا من أرضهم أن ندعها كلها فى أيديهم وننزل التخوم بين أرضنا وأرضهم فندنوا من خليفتنا ومن مددنا، فإذا أتانا من المدد ما نرجو أن نكون لهم به مقرنين قاتلناهم إن أتونا، وإلا أقدمنا عليهم إن هم أقاموا عنا. فقال رجل من المسلمين لأبى عبيدة: هذا أصلحك الله رأى حسن، فاقبله واعمل به.
فقال معاذ بن جبل: وهل يلتمس هؤلاء القوم من عدوهم أمرا أضر لهم ولا أشد عليهم مما تريدون أنتم بأنفسكم، تخلون لهم عن أرض قد فتحها الله عليكم وقتل فيها صناديدهم وأهلك جنودهم، فإذا خرج المسلمون منها وتركوها لهم فكانوا فيها على مثل حالهم الأول، فما أشد على المسلمين دخولها بعد الخروج منها، وهل يصلح لكم أن تدعوها وتدعوا البلقاء والأردن وقد جبيتم خراجهم لتدفعوا عنهم؟ أما والله لئن أردتم دخولها بعد الخروج منها لتكابدن من ذلك مشقة.
فقال أبو عبيدة: صدق والله وبر، ما ينبغى أن نترك قوما قد جبينا خراجهم وعقدنا العهد لهم حتى نعذر إلى الله فى الدفع عنهم، فإن شئتم نزلنا الجابية وبعثنا إلى عمرو بن العاص يقدم علينا، ثم أقمنا للقوم حتى نلقاهم بها.
فقال له خالد: كأنك إذا كنت بالجابية كنت على أكثر مما أنت عليه فى مكانك الذى أنت فيه. فإنهم لكذلك يجيلون الرأى إذ قدم على أبى عبيدة عبد الله بن عمرو بن العاص بكتاب من أبيه يقول فيه: أما بعد، فإن أهل إيلياء وكثيرا ممن كنا صالحناهم من أهل الأردن قد نقضوا العهد فيما بيننا وبينهم، وذكروا أن الروم قد أقبلت إلى الشام بقضها وقضيضها، وأنكم قد خليتم لهم عن الأرض وأقبلتم منصرفين عنها، وقد جرأهم ذلك علىّ وعلى من قبلى من المسلمين، وقد تراسلوا وتواثقوا وتعاهدوا ليسيرون إلىّ.
فاكتب إلىّ برأيك، فإن كنت تريد القدوم علىّ أقمت لك حتى تقدم علىّ، وإن كنت تريد أن تنزل منزلا من الشام أو من غيرها وأن أقدم عليك فأعلمنى برأيك، أوافك فيه، فإنى صائر إليك أينما كنت، وإلا فابعث إلىّ مددا أقوى به على عدوى وعلى ضبط ما قبلى، فإنهم قد أرجفوا بنا واغتمزوا فينا واستعدوا لنا، ولو يجدون فينا ضعفا أو يرون فينا فرصة ما ناظرونا، والسلام عليك.