المسلمين فقال خالد: ما أقل الروم وأكثر المسلمين، إنما تكثر الجنود بالنصر، وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال، والله لوددت أن الأشقر برىء من توجيه، وإنهم أضعفوا فى العدد، وكان فرسه قد حفى فى مسيره، وجعل خالد يوم اليرموك على الطلائع قباث بن أشيم، وكان القارئ يومذاك المقداد.
قالوا: ومن السنة التى سن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بدر أن تقرأ سورة الجهاد عند اللقاء، وهى سورة الأنفال، ولم يزل الناس بعد على ذلك.
ولما فرغ خالد من تعبئتهم وزحف إليه المشركون، أمر عكرمة والقعقاع وكانا على مجنبتى القلب، فأنشبا القتال، فنشب، والتحم الناس، وتطارد الفرسان، فإنهم لعلى ذلك إذ قدم البريد من المدينة، وهو محمية بن زنيم، فأخذته الخيول وسألوه الخبر، فلم يخبرهم إلا بسلامه، وأخبرهم عن أمداد تأتيهم، وإنما جاء بموت أبى بكر وتأمير أبى عبيدة، فأبلغوا خالدا، فأسر إليه الخبر، وأخبره بما قال للجند، فقال له: أحسنت، فقف، وأخذ الكتاب فجعله فى كنانته، وخاف إن هو أظهر ذلك أن ينتشر أمر الجند، فوقف الرسول مع خالد، وخرج جرجة أحد أمراء الروم يومئذ، حتى إذا كان بين الصفين نادى:
ليخرج إلى خالد، فخرج إليه خالد وأقام أبا عبيدة مكانه، فواقفه بين الصفين حتى اختلفت أعناق دابتيهما، وقد أمن أحدهما صاحبه، فقال له جرجة: يا خالد، اصدقنى ولا تكذبنى، فإن الحر لا يكذب، ولا تخادعنى فإن الكريم لا يخادع، بالله هل أنزل الله على نبيكم سيفا من السماء فأعطاكه فلا تسله على أحد إلا هزمته؟ قال: لا، قال: فبم سميت سيف الله؟ قال: إن الله بعث فينا نبيه صلى الله عليه وسلم فدعانا، فنفرنا منه ونأينا عنه جميعا، ثم إن بعضنا صدقه وتابعه وبعضنا باعده وكذبه، فكنت فيمن كذبه وباعده، وقاتله، ثم أخذ الله تعالى بقلوبنا ونواصينا فهدانا به وتابعناه، فقال: أنت سيف من سيوف الله سله الله على المشركين، ودعا لىّ بالنصر، فسميت سيف الله بذلك، فأنا من أشد الناس على المشركين، قال: صدقتنى.
ثم أعاد عليه جرجة: يا خالد، أخبرنى إلام تدعون؟ قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، والإقرار بما جاء به من عند الله، قال: فمن لم يجبكم؟ قال:
الجزية، ونمنعهم قال: فإن لم يعطها؟ قال: نؤذنه بحرب، ثم نقاتله، قال: فما منزلة الذى يدخل فى دينكم ويجيبكم إلى هذا الأمر اليوم؟ قال: منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا شريفنا ووضيعنا، وأولنا وآخرنا، ثم أعاد عليه جرجة: هل لمن دخل فيكم اليوم يا خالد، مثل ما لكم من الأجر والذخر؟ قال: نعم، وأفضل. قال: وكيف يساويكم وقد