مِنْ نَفْسِكَ أَنَّكَ قَتَلْتَ نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ كَانُوا أَغْمَارًا لا يَعْرِفُونَ الْقِتَالَ، إِنَّكَ وَاللَّهِ لَوْ قَاتَلْتَنَا لَعَرَفْتَ أَنَّا نَحْنُ النَّاسُ، وَإِنَّكَ لَمْ تَلْقَ مِثْلَنَا، وَأَنْزَلَ اللَّهُ: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ 1 الآيَةَ وَالَّتِي بَعْدَهَا.
وَدَخَلَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ الْمَدَارِسِ 2 عَلَى جَمَاعَتِهِمْ مِنْ يَهُودَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ فَقَالَ لَهُ النُّعْمَانُ بْنُ عَمْرٍو وَالْحَارِثُ بْنُ زَيْدٍ وَعَلَى: أَيِّ دِينٍ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ، قَالَ: عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ، قَالا: فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ يَهُودِيًّا، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَهَلُمَّ إِلَى التَّوْرَاةِ، فَهِيَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ» فَأَبَيَا عَلَيْهِ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ 3 الآيَةَ وَالَّتِي تَلِيهَا. وَقَالَ أَحْبَارُ يَهُودَ: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا يَهُودِيًّا، وَقَالَتْ نَصَارَى نَجْرَانَ، ما كان إلا نصرانيا، فأنزل الله: يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ الآيات إلى وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ 4 وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَيْفٍ وَعَدِيُّ بْنُ زيد والحرث بْنُ عَوْفٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَعَالَوْا نُؤْمِنُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ غُدْوَةً وَنَكْفُرُ بِهِ عَشِيَّةً حَتَّى نَلْبَسُ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَصْنَعُونَ كَمَا نَصْنَعُ، فَيَرْجِعُونَ عَنْ دِينِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ إلى قوله: وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ 5
وَقَالَ أَبُو نَافِعٍ الْقُرَظِيُّ حِينَ اجْتَمَعَتِ الأَحْبَارُ مِنْ يَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ عِنْدَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَاهُمْ إِلَى الإِسْلامِ: أَتُرِيدُ مِنَّا يَا مُحَمَّدُ أَنْ نعبدك كما تبعد النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ؟ وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ مِثْلَهُ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَعَاذَ اللَّهُ أَنْ يُعْبَدَ غَيْرُ اللَّهِ»
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: مَا كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ 6 الآيَةَ. ثُمَّ ذَكَرَ مَا أَخَذَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمِيثَاقِ بِتَصْدِيقِهِ فَقَالَ: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ