وَأَمَّا الْعَبَّاسُ فَيُكَنَّى أَبَا الْفَضْلِ بِابْنِهِ، وَكَانَ أَسَنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَنَتَيْنِ أَوْ ثَلاثٍ، وَكَانَ رَئِيسًا فِي قُرَيْشٍ، وَإِلَيْهِ كَانَتْ عُمَارَةُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالسِّقَايَةُ، شَهِدَ الْعَقَبَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَشْتَرِطَ لَهُ عَلَى الأَنْصَارِ، وَشَهِدَ بَدْرًا مَعَ الْمُشْرِكِينَ مُكْرِهًا، وَفَدَى يَوْمَئِذٍ نَفْسَهُ، وَعَقِيلا وَنَوْفلا ابْنَيْ أَخَوَيْهِ أَبِي طَالِبٍ، وَالْحَارِثِ وَأَسْلَمَ قَبْلَ فَتْحِ خَيْبَرَ، وَكَانَ يَكْتُمُ إِسْلامَهُ إِلَى يَوْمِ فَتْحِ مَكَّةَ، فَأَظْهَرَهُ، وَقِيلَ: أَسْلَمَ قَبْلَ يَوْمِ بَدْرٍ، وَكَانَ يَكْتُمُ ذَلِكَ، وَشَهِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَثَبَتَ. وَهُوَ الْقَائِلُ:
أَلَا هَلْ أَتَى عِرْسِي مَكَرِّي وَمَقْدَمِي
... بِوَادِي حُنَيْنٍ وَالأَسِنَّةُ تَشْرَعُ
وَكَيْفَ رَدَدْتُ الْخَيْلَ وَهِيَ مُغِيرَةٌ
... بِزَوْرَاءَ تُعْطِي فِي الْيَدَيْنِ وَتَمْنَعُ
نَصَرْنَا رَسُولَ اللَّهِ فِي الْحَرْبِ سَبْعَة
... وَقَدْ فَرَّ مَنْ قَدْ فَرَّ عَنْهُ فَأَقْشَعُوا
وَثَامِنُنَا لاقَى الْحِمَامَ بِسَيْفِهِ
... بِمَا مَسَّهُ فِي اللَّهِ لا يَتَوَجَّعُ
وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِيهِ: «الْعَبَّاسُ أَجْوَدُ قُرَيْشٍ كَفًّا وَأَوْصَلُهَا» .
وَرُوِيَ أَنَّ الْعَبَّاسَ لَمْ يَمُرَّ بِعُمَرَ وَلا بِعُثْمَانَ وَهِمَا رَاكِبَانِ إِلَّا نَزَلا حَتَّى يَجُوزَ إِجْلالا لَهُ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجِلُّهُ، وَاسْتَسْقَى بِهِ عُمَرُ عَامَ الرّمَادَةِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ فَسُقُوا، فَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ:
بِعَمِّي سَقَى اللَّهُ الْحِجَازَ وَأَهْلَهُ
... عَشِيَّةَ يَسْتَسْقِي بِشَيْبَتِهِ عمر
توجه بالعباس في الجدب راغبا
... فماكر حتى جاء بالديمة المطر
وَكَانَ مِنْ دُعَاءِ الْعَبَّاسِ وَهُوَ يَسْتَسْقِي: اللَّهُمَّ أَنْتَ الرَّاعِي لا تُهْمِلُ الضَّالَّةَ، وَلا تَدَعَ الْكَبِيرَ بِدَارِ مَضْيَعَةٍ، فَقَدْ ضَرَعَ الصَّغِيرُ، وَرَقَّ الْكَبِيرُ، وَارْتَفَعَتِ الشَّكْوَى، فَأَنْتَ تَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، اللَّهُمَّ فَأَغِثْهُمْ بِغِيَاثِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْنِطُوا فَيَهْلِكُوا، فَإِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رُوحِكَ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ. وَفَضَائِلُ الْعَبَّاسِ كَثِيرَةٌ وَمَنَاقِبُهُ مَشْهُورَةٌ، تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاثِينَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عُثْمَانُ، وَقِيلَ فِي وَفَاتِهِ غَيْرَ ذَلِكَ. وَوُلِدَ الْعَبَّاسُ سَبْعَةً لأُمِّ الْفَضْلِ لُبَابَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ نَسَبِهَا عِنْدَ ذِكْرِ أُخْتِهَا مَيْمُونَةَ فِي زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمُ: الْفَضْلُ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ، وَمَعْبَدٌ، وَقُثَمُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ شَقِيقَتُهُمْ، وَتَمَّامٌ، وَكَثِيرٌ، لأُمِّ وَلَدٍ، وَالْحَارِثُ وَأُمُّهُ مِنْ هُذَيْلٍ، وَعَوْنُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ أُمِّهِ، قَالَ، وَكُلُّ بَنِي الْعَبَّاسِ لَهُمْ رِوَايَةٍ، وَلِلْفَضْلِ وَعَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ سَمَاعٌ وَرِوَايَةٌ. وَكَانَ الْفَضْلُ أَكْبَرَهُمْ، وَتَمَّامٌ أَصْغَرَهُمْ،
وَقَدْ رَوَى تَمَّامٌ