ونظير ذلك شهادة عمِّه أبي طالب له بأنه صادق وأن دينه من خير أديان البرية (١)، ولم تُدخله هذه الشهادة في الإسلام.
ومن تأمل ما في السيرة والأخبار الثابتة من شهادة كثير من أهل الكتاب والمشركين له - صلى الله عليه وسلم - بالرسالة وأنه صادق، فلم تدخلهم هذه الشهادة في الإسلام= علم أن الإسلام أمرٌ وراءَ ذلك، وأنه ليس هو المعرفة فقط، ولا المعرفة والإقرار فقط، بل المعرفة والإقرار والانقياد والتزام طاعته ودينه ظاهرًا وباطنًا.
وقد اختلف أئمة الإسلام في الكافر إذا قال: أشهد أن محمدًا رسول الله ولم يَزِد، هل يُحكم بإسلامه بذلك؟ على ثلاثة أقوال، وهي ثلاث روايات عن الإمام أحمد:
إحداها: يُحكم بإسلامه بذلك.
والثانية: لا يحكم بإسلامه حتى يأتي بشهادة أن لا إله إلا الله.
والثالثة: أنه إن كان مُقرًّا بالتوحيد حكم بإسلامه، وإن لم يكن مُقرًّا لم يحكم بإسلامه حتى يأتي به (٢).
وليس هذا موضع استيفاء هذه المسألة، وإنما أشرنا إليها إشارةً، وأهلُ الكتابين مُجمِعون على أن نبيًّا يخرج في آخر الزمان، وهم ينتظرونه، ولا يشك علماؤهم في أنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وإنما يمنعهم من الدخول في الإسلام رئاستهم على قومهم وخضوعُهم لهم وما ينالونه منهم من المال والجاه.
(١) وذلك في أبيات ذكرها عنه ابن إسحاق. انظر: «دلائل النبوة» (٢/ ١٨٨).
(٢) انظر: «المغني» (١٢/ ٢٨٩) و «الفروع» (١٠/ ١٩٧).