والمسألة الثَّانية: هل يثبت تحريم الرَّبيبة بموت الأمِّ كما يثبت بالدُّخول بها؟ وفيه قولان للصَّحابة، وهما روايتان عن أحمد.
والمقصود أنَّ العدَّة فيه ليست للعلم ببراءة الرَّحم، فإنَّها تجب قبل الدُّخول، بخلاف عدَّة الطَّلاق. وقد اضطرب النَّاس في حِكمة عدَّة الوفاة وغيرها:
فقيل: هي لبراءة الرَّحم، وأُورِد على هذا القول وجوهٌ كثيرةٌ، منها: وجوبها قبل الدُّخول في الوفاة، ومنها: أنَّها ثلاثة قروءٍ وبراءة الرَّحم يكفي فيها حيضةٌ كما في المستبرأة (١)، ومنها: وجوب ثلاثة أشهرٍ في حقِّ من يقطع ببراءة رحمها لصغرها أو كبرها.
ومن النَّاس من يقول: هو تعبُّد لا يُعقَل معناه، وهذا فاسدٌ لوجهين:
أحدهما: أنَّه ليس في الشَّريعة حكمٌ إلا وله حكمةٌ، وإن لم يعقلها كثيرٌ من النَّاس أو أكثرهم.
الثَّاني: أنَّ العِدَد ليست من العبادات المحضة، بل فيها من المصالح رعايةُ حقِّ الزَّوجين والولد والنَّاكح.
قال شيخنا (٢): والصَّواب أن يقال: أمَّا عدَّة الوفاة فهي حرمٌ لانقضاء النِّكاح ورعايةٌ لحقِّ الزَّوج، ولهذا تُحِدُّ المتوفَّى عنها زوجُها (٣) في عدَّة الوفاة رعايةً لحقِّ الزَّوج، فجُعِلت العدَّة حريمًا لحقِّ هذا العقد الذي له خَطَرٌ
(١) «ومنها أنها ... في المستبرأة» ساقطة من ز.
(٢) لم أجد كلامه في كتبه المطبوعة.
(٣) «زوجها» من ص، ح.