وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ أَبَا الْعَاصِ أَقَامَ بِمَكَّةَ عَلَى كُفْرِهِ وَاسْتَمَرَّتْ زَيْنَبُ عِنْدَ أَبِيهَا بِالْمَدِينَةِ، حَتَّى إِذَا كَانَ قُبَيْلَ الْفَتْحِ خَرَجَ أَبُو الْعَاصِ فِي تِجَارَةٍ لِقُرَيْشٍ، فَلَمَّا قَفَلَ مِنَ الشَّامِ لَقِيَتْهُ سَرِيَّةٌ فَأَخَذُوا مَا مَعَهُ وَأَعْجَزَهُمْ هَرَبًا، وَجَاءَ تَحْتَ اللَّيْلِ إِلَى زَوْجَتِهِ زَيْنَبَ فَاسْتَجَارَ بِهَا فَأَجَارَتْهُ.
فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ صَرَخَتْ مِنْ صُفَّةِ النِّسَاء: أَيهَا النَّاس أَجَرْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ هَلْ سَمِعْتُمُ الَّذِي سَمِعْتُ؟ " قَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ: " أَمَا وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ مَا علمت بشئ حَتَّى سَمِعْتُ مَا سَمِعْتُمْ، وَإِنَّهُ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ ".
ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ زَيْنَبَ فَقَالَ: " أَيْ بُنَيَّةَ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ وَلَا يَخْلُصَنَّ إِلَيْكِ فَإِنَّكِ لَا تَحِلِّينَ لَهُ " قَالَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَثَّهُمْ عَلَى رَدِّ مَا كَانَ مَعَهُ، فَرَدُّوهُ بِأَسْرِهِ لَا يَفْقِدُ مِنْهُ شَيْئًا.
فَأَخَذَهُ أَبُو الْعَاصِ فَرَجَعَ بِهِ إِلَى مَكَّةَ، فَأَعْطَى كُلَّ إِنْسَانٍ مَا كَانَ لَهُ ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَلْ بَقِيَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ عِنْدِي مَالٌ لَمْ يَأْخُذْهُ؟ قَالُوا: لَا فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ وَجَدْنَاكَ وَفِيًّا كَرِيمًا.
قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَاللَّهِ مَا مَنَعَنِي عَنِ الْإِسْلَامِ عِنْدَهُ إِلَّا تَخُوُّفُ أَنْ تَظُنُّوا أَنِّي إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ آكُلَ أَمْوَالَكُمْ، فَلَمَّا أَدَّاهَا اللَّهُ إِلَيْكُمْ وَفَرَغْتُ مِنْهَا أَسْلَمْتُ.
ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: رَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُحْدِثْ شَيْئا.