وَتَمْحِيصٍ، أَكْرَمَ اللَّهُ فِيهِ مَنْ أَكْرَمَ بِالشَّهَادَةِ، حَتَّى خَلَصَ الْعَدُوُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدُثَّ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى وَقَعَ لِشِقِّهِ، فَأُصِيبَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَشُجَّ فِي وَجْهِهِ وَكُلِمَتْ شَفَتُهُ، وَكَانَ الَّذِي أَصَابَهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَاصٍّ.
فَحَدَّثَنِي حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُسِرَتْ رَبَاعِيَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَشُجَّ فِي وَجْهِهِ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الدَّمَ وَيَقُولُ: كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ خَضَّبُوا وَجْهَ نَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ.
فَأنْزل الله: " لَيْسَ لَك من الامر شئ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ".
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَارِيخِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْحُسَيْن، حَدثنَا أَحْمد بن الْفضل، حَدَّثَنَا
أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ أَتَى ابْنُ قَمِئَةَ الْحَارِثِيُّ فَرَمَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَجَرٍ فَكَسَرَ أَنْفَهُ وَرَبَاعِيَتَهُ وَشَجَّهُ فِي وَجْهِهِ فَأَثْقَلَهُ، وَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَدَخَلَ بَعْضُهُمُ الْمَدِينَةَ وَانْطَلَقَ طَائِفَةٌ فَوْقَ الْجَبَلِ إِلَى الصَّخْرَةِ، وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو النَّاسَ: إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ، إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ.
فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ ثَلَاثُونَ رَجُلًا، فَجَعَلُوا يَسِيرُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَمْ يَقِفْ أَحَدٌ إِلَّا طَلْحَةُ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، فَحَمَاهُ طَلْحَةُ فَرُمِيَ بِسَهْمٍ فِي يَدِهِ فَيَبُسَتْ يَدُهُ، وَأَقْبَلَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ الْجُمَحِيُّ وَقَدْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ.
فَقَالَ: يَا كَذَّابُ أَيْنَ تَفِرُّ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَطَعَنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَيْبِ الدِّرْعِ فَجُرِحَ جَرْحًا خَفِيفًا فَوَقَعَ يَخُورُ خُوَارَ الثَّوْرِ فَاحْتَمَلُوهُ، وَقَالُوا: لَيْسَ بِكَ جِرَاحَةٌ فَمَا يُجْزِعُكَ؟ قَالَ: أَلَيْسَ قَالَ: لَأَقْتُلَنَّكَ! لَو كَانَت تَجْتَمِع ربيعَة وَمُضر لقتلهم.
فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ حَتَّى مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ.
وَفَشَا فِي النَّاسِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ، فَقَالَ بَعَضُ أَصْحَابِ الصَّخْرَةِ: لَيْتَ لَنَا رَسُولًا إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَيَأْخُذُ لَنَا أَمَنَةً مِنْ أَبِي سُفْيَانَ، يَا قَوْمُ إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ فَارْجِعُوا إِلَى قَوْمِكُمْ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوكُمْ فَيَقْتُلُوكُمْ.