فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ حُدِّثَ أَنَّهُمُ اسْتُقْبِلُوا بِالنِّسَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْأَمْوَالِ، مَعَهُمُ الدُّفُوفُ وَالْمَزَامِيرُ وَالْقِيَانُ يَعْزِفْنَ خَلْفَهُمْ بِزُهَاءٍ وَفَخْرٍ، مَا رؤى مِثْلُهُ لِحَيٍّ مِنَ النَّاسِ فِي زَمَانِهِمْ.
قَالَ: وَخَلَّوُا الْأَمْوَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعْنِي النَّخِيلَ وَالْمَزَارِعَ، فَكَانَتْ لَهُ خَاصَّةً يَضَعهَا حَيْثُ شَاءَ، فَقَسَّمَهَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ دُونَ الْأَنْصَارِ، إِلَّا أَن سهل ابْن حُنَيْفٍ وَأَبَا دُجَانَةَ ذَكَرَا فَقْرًا فَأَعْطَاهُمَا، وَأَضَافَ بَعْضُهُمْ إِلَيْهِمَا الْحَارِثَ بْنَ الصِّمَّةِ.
حَكَاهُ السُّهَيْلِيُّ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمْ يُسْلِمْ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ إِلَّا رَجُلَانِ وَهَمَا يَامِينُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ كَعْبٍ ابْنُ عَمِّ عَمْرِو بْنِ جَحَّاشٍ وَأَبُو سَعْدِ بْنُ وَهْبٍ، فَأَحْرَزَا أَمْوَالَهُمَا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ حَدَّثَنِي بَعْضُ آلِ يَامِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ليامين: ألم تَرَ مَا لقِيت مِنِ ابْنِ عَمِّكَ وَمَا هَمَّ بِهِ مِنْ شَأْنِي؟ فَجَعَلَ يَامِينُ لِرَجُلٍ جُعْلًا عَلَى أَنْ يَقْتُلَ عَمْرَو بْنَ جَحَّاشٍ، فَقَتَلَهُ لَعَنَهُ اللَّهُ.
* * *
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ سُورَةَ الْحَشْرِ بِكَمَالِهَا، يِذْكُرُ فِيهَا مَا أَصَابَهُمْ بِهِ مِنْ نِقْمَتِهِ وَمَا سَلَّطَ عَلَيْهِمْ بِهِ رَسُولَهُ وَمَا عَمِلَ بِهِ فِيهِمْ.
ثُمَّ شَرَعَ ابْنُ إِسْحَاقَ يُفَسِّرُهَا.
وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهَا بِطُولِهَا مَبْسُوطَةً فِي كِتَابِنَا التَّفْسِيرِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " سبح لله مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ، مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ، فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤمنِينَ، فأعتبروا يَا أولى الْأَبْصَارِ، وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّار.
ذَلِك