وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، حَدَّثَنَا هِلَالٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَاتَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدُوًّا فَلَمْ يَفْرُغْ مِنْهُمْ حَتَّى أَخَّرَ الْعَصْرَ عَنْ وَقْتِهَا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: " اللَّهُمَّ مَنْ حَبَسَنَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى فَامْلَأْ بُيُوتَهُمْ نَارًا، وَامْلَأْ قُبُورَهُمْ نَارًا ".
وَنَحْوَ ذَلِكَ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ الْعَبْدِيِّ الْكُوفِيِّ، وَهُوَ ثِقَةٌ يُصَحِّحُ لَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ.
* * * وَقَدِ اسْتَدَلَّ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى كَوْنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ، كَمَا هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَأَلْزَمَ الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيُّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ بِهَذَا لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ.
وَقَدْ حَرَّرْنَا ذَلِكَ نَقْلًا وَاسْتِدْلَالًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَقومُوا لله قَانِتِينَ (1) ".
وَقَدِ اسْتَدَلَّ طَائِفَةٌ بِهَذَا الصَّنِيعِ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ لِعُذْرِ الْقِتَالِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَكْحُول والاوزاعي.
وَقد بوب البُخَارِيّ ذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أَمَرَهُمْ بِالذَّهَابِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ - كَمَا سَيَأْتِي -: " لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ " وَكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ فِي الطَّرِيقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُصَلِّ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَاسْتَدَلَّ بِمَا ذَكَرَهُ عَنِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ مَعَهُمْ فِي حِصَارِ تُسْتَرَ سَنَةَ عِشْرِينَ فِي زَمَنِ عُمَرَ، حَيْثُ صَلَّوُا الصُّبْحَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِعُذْرِ الْقِتَال واقتراب فتح الْحصن.