فَصْلٌ فِيمَا وَقَعَ مِنَ الْحَوَادِثِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَعْنِي سَنَةَ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ.
فِيهَا نَزَلَ فَرْضُ الْحَجِّ، كَمَا قَرَّرَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى " وَأَتِمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله ".
وَلِهَذَا ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي لَا عَلَى الْفَوْرِ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحُجَّ إِلَّا فِي سَنَةِ عَشْرٍ.
وَخَالَفَهُ الثَّلَاثَةُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ، فَعِنْدَهُمْ أَن الْحَج يحب عَلَى كُلِّ مَنِ اسْتَطَاعَهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَمَنَعُوا أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبُ مُسْتَفَادًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: " وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله " وَإِنَّمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْأَمْرُ بِالْإِتْمَامِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فَقَطْ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَدِلَّةٍ قَدْ أَوْرَدْنَا كَثِيرًا مِنْهَا عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ كِتَابِنَا التَّفْسِيرِ وَللَّه الْحَمد والْمنَّة بِمَا فِيهِ كِفَايَة.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ حُرِّمَتِ الْمُسْلِمَاتُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، تَخْصِيصًا لِعُمُومِ مَا وَقَعَ بِهِ الصُّلْحُ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ عَلَيْنَا، فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ
بِإِيمَانِهِنَّ، فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ، لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يحلونَ لَهُنَّ " الْآيَة.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتْ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ الَّتِي كَانَ فِيهَا قِصَّةُ الْإِفْكِ وَنُزُولُ بَرَاءَةِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ.
وَفِيهَا كَانَتْ عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ صد الْمُشْرِكِينَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ وَقَعَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمْ عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ عَشْرَ سِنِين، فأمن النَّاس فِيهِنَّ