فَشَرَدَتْ وَلَمْ يَقَرَّ لَهَا قَرَارٌ، لَكِنْ عَدَتِ الْجِنّ على حَرْب بن أُمَيَّةَ فَقَتَلُوهُ بِتِلْكَ الْحَيَّةِ، فَقَبَرَهُ أَصْحَابُهُ هُنَالِكَ حَيْثُ لَا جَارَ وَلَا دَارَ، فَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الْجَانُّ: وَقَبْرُ حَرْبٍ بِمَكَانٍ قَفْرٍ * وَلَيْسَ قُرْبَ قَبْرِ حَرْبٍ قَبْرُ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: أَنَّهُ كَانَ يَتَفَرَّسُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ فِي لُغَاتِ الْحَيَوَانَاتِ، فَكَانَ يَمُرُّ فِي السَّفَرِ عَلَى الطَّيْرِ فَيَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: إِنَّ هَذَا يَقُولُ كَذَا وَكَذَا.
فَيَقُولُونَ لَا نَعْلَمُ صِدْقَ مَا يَقُولُ.
حَتَّى مَرُّوا عَلَى قَطِيعِ غَنَمٍ قَدِ انْقَطَعَتْ مِنْهُ شَاةٌ وَمَعَهَا وَلَدُهَا، فَالْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَثَغَتْ كَأَنَّهَا تَسْتَحِثُّهُ.
فَقَالَ: أَتُدْرُونَ مَا تَقُولُ لَهُ؟ قَالُوا: لَا.
قَالَ: إِنَّهَا تَقُولُ: أَسْرِعْ بِنَا لَا يجِئ الذِّئْبُ فَيَأْكُلَكَ، كَمَا أَكَلَ الذِّئْبُ أَخَاكَ عَامَ أَوَّلَ.
فَأَسْرَعُوا حَتَّى
سَأَلُوا الرَّاعِيَ: هَلْ أَكَلَ لَهُ الذِّئْبُ عَامَ أَوَّلَ حَمَلًا بِتِلْكَ الْبُقْعَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَمَرَّ يَوْمًا عَلَى بَعِيرٍ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ رَاكِبَةٌ وَهُوَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَيْهَا ويرغو، فَقَالَ: إِنَّه يَقُول لَهَا: إِنَّك رحلتيني وَفِي الْحِدَاجَةِ (1) مِخْيَطٌ.
فَأَنْزَلُوا تِلْكَ الْمَرْأَةَ وَحَلُّوا ذَلِكَ الرَّحْلَ فَاذَا فِيهِ مِخْيَطٌ كَمَا قَالَ.
وَذَكَرَ ابْنُ السِّكِّيتِ: أَنَّ أُمَيَّةَ بْنَ أَبِي الصَّلْتِ بَيْنَمَا هُوَ يَشْرَبُ يَوْمًا إِذْ نَعَبَ غُرَابٌ، فَقَالَ: لَهُ بِفِيكَ التُّرَابُ مَرَّتَيْنِ.
فَقِيلَ لَهُ: مَا يَقُولُ؟ فَقَالَ إِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّكَ تَشْرَبُ هَذَا الْكَأْسَ الَّذِي فِي يَدِكَ ثُمَّ تَمُوت.
ثُمَّ نَعَبَ الْغُرَابُ فَقَالَ: إِنَّهُ يَقُولُ: وَآيَةُ ذَلِكَ أَنِّي أَنْزِلُ عَلَى هَذِهِ الْمَزْبَلَةِ فَآكُلُ مِنْهَا فَيَعْلَقُ عَظْمٌ فِي حَلْقِي فَأَمُوتُ.
ثُمَّ نَزَلَ الْغُرَابُ عَلَى تِلْكَ الْمَزْبَلَةِ فَأَكَلَ شَيْئًا فَعَلَقَ فِي حَلْقِهِ عَظْمٌ فَمَاتَ.
فَقَالَ أُمَيَّةُ: أما هَذَا فقد ضدق فِي نَفْسِهِ، وَلَكِنْ سَأَنْظُرُ هَلْ صَدَقَ فِيَّ أَمْ لَا.
ثُمَّ شَرِبَ ذَلِكَ الْكَأْسَ الَّذِي فِي يَده ثمَّ اتكأ فَمَاتَ.