قَالَتْ: نَعَمْ هَذَا مِنَ اللَّهِ.
قَالَ: ثُمَّ أَصْبَحَ أَبُو سُفْيَانَ فَغَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قلت لهِنْد: أَتَرَى هَذَا مِنَ اللَّهِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ هَذَا مِنَ اللَّهِ " فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ مَا سَمِعَ قَوْلِي هَذَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ غَيْرُ هِنْدٍ.
وَقَالَ البُخَارِيّ: حَدثنَا إِسْحَاق، حَدثنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي حَسَنُ ابْن مُسْلِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّة يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْضَ فَهِيَ حَرَامٌ بِحَرَامِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَلَمْ تَحْلِلْ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنَ الدَّهْرِ، لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكهَا وَلَا يخْتَلى خلاؤها وَلَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ " فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: إِلَّا الْإِذْخِرَ يَا رَسُولَ الله، فَإِنَّهُ لابد مِنْهُ للدفن وَالْبُيُوتِ؟ فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ: " إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ حَلَالٌ ".
وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ - هُوَ ابْنُ مَالِكٍ الْجَزَرِيُّ - عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِ هَذَا أَوْ نَحْوَ هَذَا وَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
تفرد بِهِ البُخَارِيّ من هَذَا الْوَجْه الاول، وَهُوَ مُرْسل، وَمن هَذَا الْوَجْه الثَّانِي أَيْضا.
* * * وَبِهَذَا وَأَمْثَالِهِ اسْتَدَلَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَلِلْوَقْعَةِ الَّتِي كَانَتْ
فِي الْخَنْدَمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَدْ قُتِلَ فِيهَا قَرِيبٌ مِنْ عِشْرِينَ نَفْسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.
وَالْمَشْهُورُ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا، لِأَنَّهَا لَمْ تقسم، وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (37 - السِّيرَة 3)