لما مَضَت خمس عشرَة مِنْ حِصَارِ الطَّائِفِ اسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نَوْفَل بن مُعَاوِيَة الديلى فَقَالَ: " يَا نَوْفَلُ مَا تَرَى فِي الْمُقَامِ عَلَيْهِم؟ " قَالَ: يَا رَسُول ثَعْلَبٌ فِي جُحْرٍ إِنْ أَقَمْتَ عَلَيْهِ أَخَذْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَضُرَّكَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لابي بكر وَهُوَ مُحَاصِرٌ ثَقِيفًا: " يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنِّي رَأَيْتُ أَنِّي أُهْدِيَتْ لِي قَعْبَةٌ مَمْلُوءَةٌ زُبْدًا فَنَقَرَهَا دِيكٌ فَهَرَاقَ مَا فِيهَا " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا أَظُنُّ أَنْ تُدْرِكَ مِنْهُمْ يَوْمَكَ هَذَا مَا تُرِيدُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَأَنَا لَا أَرَى ذَلِكَ ".
قَالَ: ثُمَّ إِنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ، وَهِيَ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي إِنْ فتح الله عَلَيْك حُلِيَّ بَادِيَةَ بِنْتِ غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ أَوْ حلى الفارعة بنت عقيل - وَكَانَت من أحلى نسَاء ثَقِيف - فَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: " وَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤْذَنْ فِي ثَقِيف يَا خُوَيْلَة؟ ".
فَخرجت خَوْلَة فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُول الله مَا حَدِيث حدثتنيه خَوْلَة، زَعَمَتْ أَنَّكَ قُلْتَهُ؟ قَالَ: " قَدْ قُلْتُهُ " قَالَ: أَوَ مَا أُذِنَ فِيهِمْ؟ قَالَ: لَا.
قَالَ: أَفَلَا أُؤَذِّنُ بِالرَّحِيلِ؟ قَالَ: بَلَى.
فَأَذَّنَ عُمَرُ بالرحيل، فَلَمَّا اسْتقْبل النَّاسُ نَادَى سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ أَسِيدِ بن أَبى عَمْرو ابْن عِلَاجٍ: أَلَا إِنَّ الْحَيَّ مُقِيمٌ.
قَالَ: يَقُولُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ: أَجَلْ، وَاللَّهِ مَجَدَةً كِرَامًا.
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: قَاتَلَكَ اللَّهُ يَا عُيَيْنَةُ! أَتَمْدَحُ الْمُشْرِكِينَ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ جِئْتَ تَنْصُرُهُ؟ فَقَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا جِئْتُ لِأُقَاتِلَ ثقيفا مَعكُمْ،
وَلَكِن أَرَدْتُ أَنْ يَفْتَحَ مُحَمَّدٌ الطَّائِفَ فَأُصِيبَ مِنْ ثَقِيفٍ جَارِيَةً أَطَؤُهَا لَعَلَّهَا تَلِدُ لِي رَجُلًا، فَإِن ثقيفا مَنَاكِير (1) .
* * *