مِنَ الْمَدِينَةِ بَعْدَ مَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إزَاره ورداءه، وَلم ينْه عَن شئ مِنَ الْأَرْدِيَةِ وَلَا الْأُزُرِ إِلَّا الْمُزَعْفَرَةِ الَّتِي تَرْدَعُ (1) عَلَى الْجِلْدِ، فَأَصْبَحَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الْبَيْدَاءِ، وَذَلِكَ لِخَمْسٍ بَقينَ من ذى الْقعدَة، فَقدم مَكَّة لخمس خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ.
تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.
فَقَوْلُهُ: " وَذَلِكَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ " إِنْ أَرَادَ بِهِ صَبِيحَةَ يَوْمِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ صَحَّ قَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَبَاتَ
بِذِي الْحُلَيْفَةِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ.
وَأَصْبَحَ بِهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ.
وَإِنْ أَرَادَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ " وَذَلِكَ لِخَمْسٍ من ذى الْقعدَة " يَوْم انطلاقه عَلَيْهِ السَّلَام مِنَ الْمَدِينَةِ بَعْدَ مَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إِزَارَهُ وَرِدَاءَهُ، كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ وَجَابِرٌ إِنَّهُمْ خَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، بَعُدَ قَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ وَتَعَذَّرَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَتَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِغَيْرِهِ، وَلَمْ يَنْطَبِقْ ذَلِكَ إِلَّا عَلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ، إِنْ كَانَ شَهْرُ ذِي الْقَعْدَةِ كَامِلًا.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خُرُوجه عَلَيْهِ السَّلَام مِنَ الْمَدِينَةِ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدثنَا أَيُّوب، عَن أَبى قلَابَة، عَن أنس ابْن مَالِكٍ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ مَعَه الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ، حَمِدَ الله عزوجل وَسَبَّحَ وَكَبَّرَ (2) ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ.
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ والنَّسَائِيُّ جَمِيعًا، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ