عِنْدَهُ مِنْ صِفَتِهِ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ الْقَوْمُ مِنْ طَعَامِهِمْ وَتَفَرَّقُوا قَامَ إِلَيْهِ بَحِيرَى وَقَالَ لَهُ: يَا غُلَامُ: أَسْأَلُكَ بِحَقِّ اللَّاتِ وَالْعُزَّى إِلَّا أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ.
وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ بَحِيرَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ سَمِعَ قَوْمَهُ يَحْلِفُونَ بِهِمَا.
فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: لَا تَسْأَلْنِي بِاللَّاتِ والعزى شَيْئا، فو الله مَا أَبْغَضْتُ شَيْئًا قَطُّ بُغْضَهُمَا.
فَقَالَ لَهُ بَحِيرَى: فَبِاللَّهِ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ؟ فَقَالَ لَهُ: سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ.
فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ حَالِهِ مِنْ نَوْمِهِ وَهَيْئَتِهِ وَأُمُورِهِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُهُ.
فَوَافَقَ ذَلِكَ مَا عِنْدَ بَحِيرَى مَنْ صِفَتِهِ.
ثُمَّ نَظَرَ إِلَى ظَهره فَرَأى خَاتم النُّبُوَّة بَين كَتفيهِ مَوْضِعِهِ مَنْ صِفَتِهِ الَّتِي عِنْدَهُ.
فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: مَا هَذَا الْغُلَامُ مِنْكَ؟ قَالَ: ابْنِي.
قَالَ بَحِيرَى: مَا هُوَ بِابْنِكَ، وَمَا يَنْبَغِي لِهَذَا الْغُلَامِ أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ حَيًّا.
قَالَ: فَإِنَّهُ ابْنُ أَخِي.
قَالَ فَمَا فَعَلَ أَبُوهُ؟ قَالَ: مَاتَ وَأَمُّهُ حُبْلَى بِهِ.
قَالَ: صَدَقْتَ، ارْجِعْ بِابْنِ أَخِيك إِلَى بَلَده وَاحْذَرْ عَلَيْهِ الْيَهُود، فو الله لَئِنْ رَأَوْهُ وَعَرَفُوا مِنْهُ مَا عَرَفْتُ لِيَبْغُنَّهُ شَرًّا، فَإِنَّهُ كَائِنٌ لِابْنِ أَخِيكَ هَذَا شَأْنٌ عَظِيمٌ فَأَسْرِعْ بِهِ إِلَى بِلَادِهِ.
فَخَرَجَ بِهِ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ سَرِيعًا حَتَّى أَقْدَمَهُ مَكَّةَ حِينَ فَرَغَ مِنْ تِجَارَتِهِ بِالشَّامِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَزَعَمُوا فِيمَا رَوَى النَّاسُ أَنَّ زُرَيْرًا، وَتَمَّامًا وَدَرِيسًا (1) - وَهُمْ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ - قد كَانُوا رَأَوْا مِنْ (2) رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَمَا رَأَى بَحِيرَى
فِي ذَلِكَ السَّفَرِ الَّذِي كَانَ فِيهِ مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، فَأَرَادُوهُ فَرَدَّهُمْ عَنْهُ بَحِيرَى، فَذَكَّرَهُمُ اللَّهَ وَمَا يَجِدُونَ فِي الْكِتَابِ مِنْ ذِكْرِهِ وَصَفَتِهِ، وَأَنَّهُمْ إِنْ (2) أَجمعُوا لما أردوا بِهِ لم يخلصوا