قُلْتُ: وَكَانَ الْفِجَارُ وَحِلْفُ الْفُضُولِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، إِذْ كَانَ عُمُرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرُونَ سَنَةً وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَإِنَّمَا حَمَلَ قُرَيْشًا عَلَى بِنَائِهَا أَنَّ السُّيُولَ كَانَتْ تَأْتِي مِنْ فَوْقهَا، من فَوق الرَّدْم الذى صَفوه فخربه، فَخَافُوا أَنْ يَدْخُلَهَا الْمَاءُ.
وَكَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مُلَيْحٌ سَرَقَ طِيبَ الْكَعْبَةِ.
فَأَرَادُوا أَنْ يَشِيدُوا بُنْيَانَهَا وَأَنْ يَرْفَعُوا بَابَهَا حَتَّى لَا يَدْخُلَهَا إِلَّا مَنْ شَاءُوا.
فَأَعَدُّوا لِذَلِكَ نَفَقَةً وَعُمَّالًا، ثُمَّ غَدَوْا إِلَيْهَا لِيَهْدِمُوهَا عَلَى شَفَقٍ وَحَذَرٍ أَنْ يَمْنَعَهُمُ اللَّهُ (1) الَّذِي أَرَادُوا.
فَكَانَ أَوَّلَ رَجُلٍ طَلَعَهَا وَهَدَمَ مِنْهَا شَيْئًا الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، فَلَمَّا رَأَوُا الَّذِي فَعَلَ الْوَلِيدُ تَتَابَعُوا فَوَضَعُوهَا فَأَعْجَبَهُمْ ذَلِكَ.
فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَأْخُذُوا فِي بُنْيَانِهَا أَحْضَرُوا عُمَّالَهُمْ فَلَمْ يَقْدِرْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْضِيَ أَمَامَهُ مَوْضِعَ قَدَمٍ.
فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا حَيَّةً قَدْ أَحَاطَتْ بِالْبَيْتِ، رَأْسُهَا عِنْدَ ذَنَبِهَا، فَأَشْفَقُوا مِنْهَا شَفَقَةً شَدِيدَةً، وَخَشَوْا أَنْ يَكُونُوا قَدْ وَقَعُوا مِمَّا عَمِلُوا فِي هَلَكَةٍ.
وَكَانَتِ الْكَعْبَةُ حِرْزَهُمْ وَمَنَعَتَهُمْ مِنَ النَّاسِ وَشَرَفًا لَهُمْ، فَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَالْتَبَسَ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُمْ قَامَ فِيهِمُ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ، فَذَكَرَ مَا كَانَ مِنْ نُصْحِهِ لَهُمْ وَأَمْرِهِ إِيَّاهُمْ أَنْ لَا يَتَشَاجَرُوا وَلَا يَتَحَاسَدُوا فِي بِنَائِهَا، وَأَنْ يَقْتَسِمُوهَا أَرْبَاعًا، وَأَنْ لَا يُدْخِلُوا فِي بِنَائِهَا مَالًا حَرَامًا.
وَذَكَرَ أَنَّهُمْ لَمَّا عَزَمُوا عَلَى ذَلِكَ ذَهَبَتِ الْحَيَّةُ فِي السَّمَاءِ وَتَغَيَّبَتْ عَنْهُم وَرَأَوا أَن ذَلِك من الله عزوجل.