كَانَ قبيل الْفجْر أهبنا (1) فَلَمَّا كَانَ الصُّبْحَ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، قَالَ: " يَا أُمَّ هَانِئٍ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَكُمُ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ فِي هَذَا الْوَادِي، ثُمَّ جِئْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَصَلَّيْتُ فِيهِ، ثُمَّ قَدْ صَلَّيْتُ الْغَدَاةَ مَعَكُمُ الْآنَ كَمَا تَرَيْنَ ".
ثُمَّ قَامَ لِيَخْرُجَ، فَأَخَذْتُ بِطَرَفِ رِدَائِهِ فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَا تُحَدِّثْ بِهَذَا الحَدِيث النَّاس فيكذبونك ويؤذونك.
قَالَ: " وَاللَّهِ لَأُحَدِّثَنَّهُمُوهُ ".
فَأَخْبَرَهُمْ فَكَذَّبُوهُ.
فَقَالَ: وَآيَةُ ذَلِكَ أَنِّي مَرَرْتُ بَعِيرِ بَنِي فُلَانٍ بِوَادِي كَذَا وَكَذَا، فَأَنْفَرَهُمْ حِسُّ الدَّابَّةِ، فَنَدَّ لَهُمْ بعير فدللتهم عَلَيْهِ وَأَنا مُتَوَجّه إِلَى الشَّامِ، ثُمَّ أَقْبَلْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِضَجْنَانَ (2) مَرَرْتُ بَعِيرِ بَنِي فُلَانٍ، فَوَجَدْتُ الْقَوْمَ نِيَامًا وَلَهُمْ إِنَاءٌ فِيهِ مَاءٌ قَدْ غَطُّوا عَلَيْهِ بشئ، فَكَشَفْتُ غِطَاءَهُ وَشَرِبْتُ مَا فِيهِ، ثُمَّ غَطَّيْتُ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ عِيرَهُمْ تصوب الْآنَ مِنْ ثَنِيَّةِ التَّنْعِيمِ الْبَيْضَاءِ، يَقَدَمُهَا جَمَلٌ أَوْرَقُ عَلَيْهِ غِرَارَتَانِ إِحْدَاهُمَا سَوْدَاءُ وَالْأُخْرَى بَرْقَاءُ.
قَالَ: فَابْتَدَرَ الْقَوْمُ الثَّنِيَّةَ فَلَمْ يَلْقَهُمْ أَوَّلُ مِنَ الْجَمَلِ الَّذِي وَصَفَ لَهُمْ وَسَأَلُوهُمْ عَنِ الْإِنَاءِ وَعَنِ الْبَعِيرِ، فَأَخْبَرُوهُمْ كَمَا ذَكَرَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
وَذَكَرَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ، أَنَّ الشَّمْسَ كَادَتْ أَنْ تَغْرُبَ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ ذَلِكَ الْعِيرُ، فَدَعَا الله عزوجل فَحَبَسَهَا حَتَّى قَدِمُوا كَمَا وَصَفَ لَهُمْ.
قَالَ: فَلَمْ تَحْتَبِسِ الشَّمْسُ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا عَلَيْهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَعَلَى يُوشَعَ بْنِ نُونٍ.
رَوَاهُ البيهيقى.
* * *