إِلَيْكُمْ حَتَّى يَطَأَكُمْ بِهِمْ فَيَأْخُذَ أَمْرَكُمْ مِنْ أَيْدِيكُمْ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِكُمْ مَا أَرَادَ، أَدِيرُوا فِيهِ رَأْيًا غَيْرَ هَذَا.
فَقَالَ أَبُو جَهْلِ بن هِشَام: وَالله إِن لى فِيهِ رَأيا مَا أَرَاكُمْ وَقَعْتُمْ عَلَيْهِ بَعْدُ.
قَالُوا: وَمَا هُوَ يَا أَبَا الْحَكَمِ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ نَأْخُذ من كَانَ قَبِيلَةٍ فَتًى شَابًّا جَلِيدًا نَسِيبًا وَسِيطًا فِينَا، ثُمَّ نُعْطِي كُلَّ فَتًى مِنْهُمْ سَيْفًا صَارِمًا، ثُمَّ يَعْمِدُوا إِلَيْهِ فَيَضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَيَقْتُلُوهُ فَنَسْتَرِيحَ مِنْهُ، فَإِنَّهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ تَفَرَّقَ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ جَمِيعِهَا، فَلَمْ يَقْدِرْ بَنُو عَبْدِ مُنَافٍ عَلَى حَرْبِ قَوْمِهِمْ جَمِيعًا، فَرَضُوا مِنَّا بِالْعَقْلِ فَعَقَلْنَاهُ لَهُمْ.
قَالَ: يَقُولُ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: الْقَوْلُ مَا قَالَ الرَّجُلُ، هَذَا الرَّأْيُ وَلَا رَأْيَ غَيْرُهُ.
فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ على ذَلِك وهم مجمعون لَهُ.
فَأتى جِبْرَائِيل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: لَا تَبِتْ هَذِهِ اللَّيْلَةَ عَلَى فِرَاشِكَ الَّذِي كُنْتَ تَبِيتُ عَلَيْهِ.
قَالَ: فَلَمَّا كَانَتْ عَتَمَةٌ مِنَ اللَّيْلِ اجْتَمَعُوا عَلَى بَابِهِ يَرْصُدُونَهُ حَتَّى يَنَامُ فَيَثِبُونَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَانَهُمْ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: نَمْ عَلَى فِرَاشِي وَتَسَجَّ بِبُرْدِي هَذَا الْحَضْرَمِيِّ الْأَخْضَرِ، فَنَمْ فِيهِ فَإِنَّهُ لن يخلص إِلَيْك شئ تَكْرَهُهُ مِنْهُمْ.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ فِي بُرْدِهِ ذَلِكَ إِذَا نَامَ.
وَهَذِهِ الْقِصَّةُ التِي ذَكَرَهَا ابْنُ إِسْحَاقَ قَدْ رَوَاهَا الْوَاقِدِيُّ بِأَسَانِيدِهِ، عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ وَسُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ وَغَيْرِهِمْ، دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ، فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ.
* * *