مِنْ خَلْفِنَا.
وَكَانَتِ الْحَرْبُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ فِي ابْنٍ لِحَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، قَتْلَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَكْرٍ، بِإِشَارَةِ عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْمُلَوَّحِ، ثُمَّ أَخَذَ بِثَأْرِهِ أَخُوهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ، فَقَتَلَ عَامِرًا وَخَاضَ بِسَيْفِهِ فِي بَطْنِهِ، ثُمَّ جَاءَ مِنَ اللَّيْلِ فَعَلَّقَهُ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَخَافُوهُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَهُمْ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: لَمَّا أَجْمَعَتْ قُرَيْشٌ الْمَسِيرَ ذَكَرَتِ الذى كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ، فَكَادَ ذَلِكَ أَنْ يَثْنِيَهُمْ، فَتَبَدَّى لَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيِّ، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ بَنِي كِنَانَةَ، فَقَالَ: أَنَا لَكُمْ جَارٌ من أَن تَأْتيكُمْ كنَانَة من خلفكم بشئ تَكْرَهُونَهُ.
فَخَرَجُوا سِرَاعًا قُلْتُ: وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: " وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ.
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ: لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ.
فَلَمَّا تَرَاءَتِ الفئتان نكص على عَقِبَيْهِ وَقَالَ: إنى برِئ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَاف الله وَالله شَدِيد الْعقَاب (1) ".
غرهم لَعنه الله حَتَّى سَارُوا وَسَار مَعَهم منزلَة منزلَة، وَمَعَهُ جُنُوده وراياته، كَمَا قَالَه غير وَاحِد مِنْهُم، فأسلمهم لمصارعهم، فَلَمَّا رأى الْجد وَالْمَلَائِكَة تنزل للنصر وعاين جِبْرِيل نكص على عَقِبَيْهِ وَقَالَ: إنى برِئ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَاف الله.
وَهَذَا كَقَوْلِه تَعَالَى: " كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ.
فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي برِئ مِنْك إنى أَخَاف اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ " (2) : وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زهوقا (3) .