وَقد قَدَّمْنَا أَنَّهُمْ كَانُوا عَرَبًا، وَكَانُوا بَعْدَ عَادٍ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ.
وَلِهَذَا قَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ عَلَيْهِ السَّلَامُ (1) : " اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ
مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ، هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً، فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ، وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا، فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الارض مفسدين " أَيْ إِنَّمَا جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِهِمْ لِتَعْتَبِرُوا بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَتَعْمَلُوا بِخِلَافِ عَمَلِهِمْ.
وَأَبَاحَ لَكُمْ هَذِهِ الْأَرْضَ تَبْنُونَ فِي سُهُولِهَا الْقُصُور، " وتنحتون من الْجبَال بُيُوتًا فارهين " أَيْ حَاذِقِينَ فِي صَنْعَتِهَا وَإِتْقَانِهَا وَإِحْكَامِهَا.
فَقَابِلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ بِالشُّكْرِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالْعِبَادَةِ لَهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَإِيَّاكُمْ وَمُخَالَفَتَهُ وَالْعُدُولَ عَنْ طَاعَتِهِ، فَإِنَّ عَاقِبَةَ ذَلِكَ وَخِيمَةٌ.
وَلِهَذَا وعظهم بقوله: " أتتركون فِيمَا هَاهُنَا آمِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طلعها هضيم " أَيْ مُتَرَاكِمٌ كَثِيرٌ حَسَنٌ بَهِيٌّ نَاضِجٌ.
" وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الارض وَلَا يصلحون ".
وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا: " يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ، هُوَ أَنْشَأَكُمْ من الارض واستعمركم فِيهَا " أَيْ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَأَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ، وَجَعَلَكُمْ عُمَّارَهَا، أَيْ أَعْطَاكُمُوهَا بِمَا فِيهَا مِنَ الزروع وَالثِّمَار، فَهُوَ الْخَالِق