كَأَبِيهِ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: " فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ " أَيْ شَبَّ وَارْتَحَلَ وَأَطَاقَ مَا يَفْعَلُهُ أَبُوهُ من السَّعْي وَالْعَمَل.
فَلَمَّا كَانَ هَذَا، رأى إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمَنَامِ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِذَبْحِ وَلَدِهِ هَذَا.
وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ " قَالَهُ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ أَيْضًا.
وَهَذَا اخْتِبَارٌ مِنَ اللَّهِ عزوجل لِخَلِيلِهِ فِي أَنْ يَذْبَحَ هَذَا الْوَلَدَ الْعَزِيزَ الَّذِي جَاءَهُ عَلَى كِبَرٍ، وَقَدْ طَعَنَ فِي السِّنِّ، بَعْدَ مَا أُمِرَ بِأَنْ يُسْكِنَهُ هُوَ وَأُمَّهُ فِي بِلَادٍ قَفْرٍ، وَوَادٍ لَيْسَ بِهِ حَسِيسٌ وَلَا أَنِيسٌ، وَلَا زَرْعٌ وَلَا ضَرْعٌ.
فَامْتَثَلَ أَمْرَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ، وَتَرَكَهُمَا هُنَاكَ ثِقَةً بِاللَّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ، فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُمَا فَرَجًا وَمَخْرَجًا وَرَزَقَهُمَا مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبَانِ.
ثُمَّ لَمَّا أُمِرَ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ بِذَبْحِ وَلَدِهِ هَذَا الَّذِي قَدْ أَفْرَدَهُ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ، وَهُوَ بِكْرُهُ وَوَحِيدُهُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ، أَجَابَ رَبَّهُ وَامْتَثَلَ أَمْرَهُ، وَسَارَعَ إِلَى طَاعَتِهِ.
ثُمَّ عَرَضَ ذَلِكَ عَلَى وَلَدِهِ لِيَكُونَ أَطْيَبَ لِقَلْبِهِ وَأَهْوَنَ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَأْخُذَهُ قَسْرًا وَيَذْبَحَهُ قَهْرًا: " قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا ترى؟ ".
فبادر الْغُلَام الْحَلِيم، سر وَالِدَهُ الْخَلِيلَ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: " يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصابرين ".
وَهَذَا الْجَوَابُ فِي غَايَةِ السَّدَادِ وَالطَّاعَةِ لِلْوَالِدِ ولرب الْعباد.