لِمَا عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ: مِنْ أَنَّ فِرْعَوْنَ الَّذِي فَرَّ مِنْهُ مَاتَ فِي مُدَّةِ مُقَامِهِ بِمَدْيَنَ، وَأَنَّ الَّذِي بُعِثَ إِلَيْهِ فِرْعَوْنُ آخَرُ.
وَقَوْلُهُ: " وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافرين " أَيْ وَقَتَلْتَ الرَّجُلَ الْقِبْطِيَّ، وَفَرَرْتَ مِنَّا وَجَحَدْتَ نِعْمَتَنَا.
" قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ " أَيْ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَى وَيَنْزِلَ عَلَى، " فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حكما وَجَعَلَنِي من الْمُرْسلين ".
ثُمَّ قَالَ مُجِيبًا لِفِرْعَوْنَ عَمَّا امْتَنَّ بِهِ مِنَ التَّرْبِيَةِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ: " وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَليّ أَن عبدت بني إِسْرَائِيل " أَيْ وَهَذِهِ النِّعْمَةُ الَّتِي ذَكَرْتَ، مِنْ أَنَّكَ أَحْسَنْتَ إِلَيَّ وَأَنَا رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ تُقَابِلُ مَا اسْتَخْدَمْتَ هَذَا الشَّعْبَ الْعَظِيمَ بِكَمَالِهِ، وَاسْتَعْبَدْتَهُمْ فِي أَعْمَالِكَ وَخِدْمَتِكَ وَأَشْغَالِكَ.
" قَالَ فِرْعَوْن ومارب الْعَالمين؟ * قَالَ رب السَّمَوَات وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ
الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَينهمَا إِن كُنْتُم تعقلون ".
يَذْكُرُ تَعَالَى مَا كَانَ بَيْنَ فِرْعَوْنَ وَمُوسَى مِنَ الْمُقَاوَلَةِ وَالْمُحَاجَّةِ وَالْمُنَاظَرَةِ، وَمَا أَقَامَهُ الْكَلِيمُ عَلَى فِرْعَوْنَ اللَّئِيمِ، مِنَ الْحُجَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الْمَعْنَوِيَّةِ ثُمَّ الْحِسِّيَّةِ.
وَذَلِكَ أَنَّ فِرْعَوْنَ - قَبَّحَهُ اللَّهُ - أَظْهَرَ جَحْدَ الصَّانِعِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَزَعَمَ أَنَّهُ الْإِلَهُ " فَحَشَرَ فَنَادَى فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى.
" وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَه غَيْرِي ".
(3 - قصَص الانبياء 2)