وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " وَخُلِقَ آدَمُ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ " وَتَقَدَّمَ أَيْضًا حَدِيثُهُ عَنْهُ، وَفِيهِ - يَعْنِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ - خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا.
فَإِنْ كَانَ الْيَوْمَ الَّذِي خُلِقَ فِيهِ فِيهِ أُخْرِجَ - وَقُلْنَا إِنَّ الْأَيَّامَ السِّتَّةَ كَهَذِهِ الْأَيَّامِ - فَقَدْ لَبِثَ بَعْضَ يَوْمٍ مِنْ هَذِهِ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ.
وَإِنْ كَانَ إِخْرَاجُهُ فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الَّذِي خُلِقَ فِيهِ، أَوْ قُلْنَا بِأَنَّ تِلْكَ الْأَيَّامَ مِقْدَارُهَا سِتَّةُ آلَافِ سَنَةٍ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، فَقَدْ لَبِثَ هُنَاكَ مُدَّةً طَوِيلَةً.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ خُلِقَ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَالسَّاعَةُ مِنْهُ ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً وَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَمَكَثَ مُصَوَّرًا طِينًا قَبْلَ أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَأَقَامَ فِي الْجَنَّةِ قَبْلَ أَنْ يَهْبِطَ ثَلَاثًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ سَوَّارٍ خَبَرَ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: أَنَّهُ كَانَ لَمَّا أُهْبِطَ رِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ وَرَأْسُهُ فِي السَّمَاءِ، فَحَطَّهُ اللَّهُ إِلَى سِتِّينَ ذِرَاعًا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ.
وَفِي هَذَا نَظَرٌ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْحَدِيثِ الْمُتَّفِقِ عَلَى صِحَّتِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الْآنَ " وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ خُلِقَ كَذَلِكَ لَا أَطْوَلَ مِنْ سِتِّينَ ذِرَاعًا، وَأَنَّ ذُرِّيَّتَهُ لَمْ يَزَالُوا يَتَنَاقَصُ خَلْقُهُمْ حَتَّى الْآنَ.
وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: يَا آدَمُ إِنَّ لِي حرما بحيال