" قَالَ رب اجْعَل لي آيَة " أَيْ عَلَامَةً عَلَى وَقْتَ تَعْلَقُ مِنِّي الْمَرْأَةُ بِهَذَا الْوَلَد المبشر بِهِ " قَالَ آيتك أَن لَا تكلم النَّاس ثَلَاث لَيَال سويا " يَقُولُ عَلَامَةُ ذَلِكَ أَنْ يَعْتَرِيَكَ سَكْتٌ لَا تَنْطِقُ مَعَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَأَنْتَ فِي ذَلِكَ سَوِيُّ الْخَلْقِ صَحِيحُ الْمِزَاجِ مُعْتَدِلُ الْبِنْيَةِ.
وَأُمِرَ بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ فِي هَذِهِ الْحَالِ بِالْقَلْبِ وَاسْتِحْضَارِ ذَلِكَ بِفُؤَادِهِ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ، فَلَمَّا بُشِّرَ بِهَذِهِ الْبِشَارَةِ خَرَجَ مَسْرُورًا بِهَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ مِحْرَابِهِ (1) " فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بكرَة وعشيا " وَالْوَحْيُ هَاهُنَا هُوَ الْأَمْرُ الْخَفِيُّ إِمَّا بِكِتَابَةٍ، كَمَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ، أَوْ إِشَارَةٍ كَمَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ أَيْضًا وَوَهْبٌ وَقَتَادَةُ.
قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَوَهُبٌ وَالسُّدِّيُّ وَقَتَادَةُ، اعْتُقِلَ لِسَانُهُ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانَ يَقْرَأُ وَيُسَبِّحُ وَلَكِنْ لَا يَسْتَطِيعُ كَلَامَ أَحَدٍ.
* * * وَقَوْلُهُ تَعَالَى: " يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبيا " يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ وُجُودِ الْوَلَدِ وَفْقَ الْبِشَارَةِ الْإِلَهِيَّةِ لِأَبِيهِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّمَهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَهُوَ صَغِيرٌ فِي حَالِ صِبَاهُ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الصِّبْيَانُ لِيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا: اذْهَبْ بِنَا نلعب.
فَقَالَ: مَا للعب خلفنا.
قَالَ: وَذَلِكَ قَوْله " وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبيا ".
وَأما قَوْله: " وَحَنَانًا من لدنا " فَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لاأدرى مَا الحنان.
وَعَن ابْن عَبَّاس