فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَائِدَةَ مِنَ السَّمَاءِ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا تَنْحَدِرُ بَيْنَ غَمَامَتَيْنِ، وَجَعَلَتْ تَدْنُو قَلِيلا قَلِيلا، وَكلما دنت سَأَلَ عِيسَى ربه عزوجل أَنْ يَجْعَلَهَا رَحْمَةً لَا نِقْمَةً وَأَنْ يَجْعَلَهَا بَرَكَةً وَسَلَامَةً.
فَلَمْ تَزَلْ تَدْنُو حَتَّى اسْتَقَرَّتْ بَيْنَ يَدَيْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهِيَ مُغَطَّاةٌ بِمَنْدِيلٍ فَقَامَ عِيسَى يَكْشِفُ عَنْهَا وَهُوَ يَقُولُ: " بِسْمِ اللَّهِ خَيْرُ الرَّازِقِينَ " فَإِذَا عَلَيْهَا سَبْعَةٌ مِنَ الْحِيتَانِ وَسَبْعَةُ أَرْغِفَةٍ.
وَيُقَالُ: وَخَلٌّ وَيُقَالُ: وَرُمَّانٌ وَثِمَارٌ، وَلَهَا رَائِحَةٌ عَظِيمَةٌ جِدًّا، قَالَ اللَّهُ لَهَا كُونِي فَكَانَتْ.
ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالْأَكْلِ مِنْهَا، فَقَالُوا: لَا نَأْكُلُ حَتَّى تَأْكُلَ.
فَقَالَ: إِنَّكُمُ الَّذِينَ ابْتَدَأْتُمُ السُّؤَالَ لَهَا.
فَأَبَوْا أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا ابْتِدَاءً، فَأَمَرَ الْفُقَرَاءَ وَالْمَحَاوِيجَ وَالْمَرْضَى والزمنى وَكَانُوا قَرِيبا مِنْ أَلْفٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ فَأَكَلُوا مِنْهَا فَبَرَأَ كُلُّ مَنْ بِهِ عَاهَةٌ أَوْ آفَةٌ أَوْ مَرَضٌ مُزْمِنٌ، فَنَدِمَ النَّاسُ عَلَى تَرْكِ الْأَكْلِ مِنْهَا لِمَا رَأَوْا مِنْ إِصْلَاحِ حَالِ أُولَئِكَ.
ثُمَّ قِيلَ إِنَّهَا كَانَتْ تَنْزِلُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً فَيَأْكُلُ النَّاسُ مِنْهَا، يَأْكُلُ آخِرُهُمْ كَمَا يَأْكُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى قِيلَ (1) إِنَّهَا (2) كَانَ يَأْكُلُ مِنْهَا نَحْوُ سَبْعَةِ آلَافٍ.
ثُمَّ كَانَتْ تَنْزِلُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، كَمَا كَانَتْ نَاقَةُ صَالِحٍ يَشْرَبُونَ لَبَنَهَا يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ.
ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ عِيسَى أَنْ يَقْصُرَهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوِ الْمَحَاوِيجِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ.
فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ وَتَكَلَّمَ مُنَافِقُوهُمْ فِي ذَلِكَ، فَرُفِعَتْ بِالْكُلِّيَّةِ وَمُسِخَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ خَنَازِيرَ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ جَمِيعًا، حَدثنَا الْحسن بن قزعة