فصل
وأما ما أوتي سليمان عليه الصلاة والسلام فإنه قال: رب اغفر لي وهب لي مُلكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب , يقول الله تعالى: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} ص: 36 - 39 فقد أعطي محمد - صلى الله عليه وسلم - أعظم من ذلك فإنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «زُوِيَتْ لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإنّ ملك أمّتي سيبلغ ما زوي لي منها» (1) وقد أعطاه الله تعالى مفاتيح خزائن الأرض فأباها وردها (2) بحذافيرها وعرضَ له أن يجعل (له) (3) بطحاء مكّة ذهباً فقال: «لا يا رب - ثلاثاً-ق 41/و , فإذا جُعتُ تضرّعتُ إليك وذكرتُك , وإذا شبعتُ حمدتك وشكرتك» (4) واختار - صلى الله عليه وسلم - أن يجوع يوماً ويشبع يوماً فإذا جاع صَبر وتضرّع إلى الله , وإذا شبع حمد الله
وشكره (5) , وهاتان الحالتان الصبر والشكر هما من أرفع مراتب العبادة التي يحصل بها المُلْك الكبير الذي لا ينقطع وهو - صلى الله عليه وسلم - مَلِك الآخرة من بني آدم , وفي حديث جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «أُتيتُ بمقاليد الدنيا على فرس أبلق» كما سيأتي , وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لعائشة رضي الله عنها: «يا عائشة لو شئتُ لسارت معي جبال الذّهب , جاءني ملك إنّ حُجزته (6) لَتُسَاوِي الكعبةَ , فقال: إنّ ربّك يقرأ عليك السّلام (7) ويقول لك: إن شئت نبيّاً عبداً وإن شئت نبيّاً مَلِكاً , فنظر إليّ جبريل فأشار إليّ أن ضَعْ نفْسك , فقلت: نبيّاً عبداً» (8) والأحاديث في ذلك مشهورة كثيرة.