فإن قيل: إن سليمان - عليه السلام - سُخرت له الرّيح تسير به في بلاد الله تعالى , وكان غدوّها شهراً ورواحها شهراً , قلنا: الذي أعطي محمّد - صلى الله عليه وسلم - أعظم فإنه سار في ليلة واحدة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وهو مسيرة شهر , وعرج به في ملكوت السموات مسيرة خمسين ألف سنة في أقلّ من ثُلث ليلة فدخل السموات سماءً سماءً , ورأى عجائبها , وطيف به في الجنّة , وعرضت عليه النار , وعرضت عليه أعمال أمّته , وصلى بالأنبياء وبملائكة السموات , وخرق من الحُجُب ما لا يعلمه إلا الله , وأراه الله من آياته الكبرى , ثم دنا فتدلى , فكان قاب قوسين أو أدنى , فأوحى إلى عبده ما أوحى , وأعطاه الله تعالى خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش , وعهد إليه أن يظْهر دينه على الأديان كلّها حتى لا يبقى في شرق ولا غرب إلا دينه , أو يؤدّي إلى (1) أهل دينه الجزية عن يد وهم صاغرون , وفرض عليه الصلوات الخمس , ولقي
موسى عليهما الصلاة والسلام , وسأله مراجعة ربه تعالى في التخفيف عن أمّته مراراً؛ هذا كله في بعض ليلةٍ فأيّما أعجب.
فإن قيل: (إنّ) (2) سليمان سُخرت له الجن وأنها كانت تعتاص عليه حتى يصفّدها كما ذكر الله تعالى: {وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} ص: 38 , قيل: ما أعطي محمد - صلى الله عليه وسلم - أعظم وذلك أن النّفر التسْعة (3) الذين هم أشراف الجن وعظماؤهم (4) ق 41/ظ الذين وصفهم الله تعالى فقال: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ
... } الآية الأحقاف: 29