فإنهم أتوه طائعين راغبين في دينه , معظّمين لشأنه , مصدّقين لرسالته ولما جاء به , مؤمنين بنبوّته , متّبعين لأمْره , مستمدّين منه , ومستمنحين له , سائلين لهم ولدوابّهم الزّاد والعلف , فجعل لهم كلّ عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديهم أوفر ما يكون لحماً , وكل روثة وبعرة علف لدوابهم , وعند ذلك نهى النبي (1) - صلى الله عليه وسلم - المسلمين أن يستنجوا بهما وقال: «إنهما طعام إخوانكم الجن» (2) , فجعل الجن إخوان المسلمين , ثم إن محمّداً - صلى الله عليه وسلم - كان يجتمع بهم ويعلمهم ويتلو عليهم القرآن , فلمّا سمعوه قالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2)
... } الآيات الجن: من الآية 1 - 7 وأقبلت إليه وفودهم ليلة الجنّ المعروفةَ ألوفاً (3) مؤلّفة متبايعين له على الصوم والصلاة (4) والنصح للمسلمين , واعتذروا إليه عن قولهم على الله سبحانه الشّطط , فإنهم كانوا يزعمون أن لله (5) سبحانه وتعالى ولداً , فسبحان من سخّرهم له وأذل أعناقهم بين يديه , ولقد تمرّد عليه في بعض الأوقات عفريت ليقطع عليه صلاته (قال) (6): «فأمكنني الله منه فذعَتُّه حتى سال لُعابُه على يدي فذكرت دعوة أخي سليمان فأطلَقتُه ولولا ذاك لأصبح مُوثَقاً يلعب به الوالدان» وقد تقدم ذلك , فهذا الغاية القصوى والدرجة العليا في التمكين والتمكن منهم والتحكّم فيهم حتى يصير العفريت الذي أُعطي من القوّة ما يحمل الجبل فَيَقلِبُه أعلاه أسفلَه , آل حاله معه في الذل إلى