بل يعمل بها العباد إلى يوم الأشهاد , فالحاصل من هذا أن كل فضيلة في نبي من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين من وجه من الوجوه فقد جعل الله تعالى لمحمّد - صلى الله عليه وسلم - من جنسها ماهو أفضل منها , وأكثر , وأكبر , وسواء كانت في ق 47/و النفس , أو في الأصل , أو (في) (1) النسل , أو في المعجزة , أو في الكتاب , أو في الأمّة , أو في غير ذلك من الأمور التي تتفاضل فيها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام , وتتباين بها درجاتهم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
فإن قيل: إن يعقوب عليه الصلاة والسلام فقد ولدَه يوسف عليه الصلاة والسلام وكان يحبّه حُبّاً شديداً فقال: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} يوسف: 18 - 83 , ولا يخفى ما للصابرين عند الله من المنزلة , قيل: إن يعقوب عليه الصلاة والسلام كان له أحد عشر ولداً ذُكْراناً غير يوسف - عليه السلام - , أكبرَ سنّاً منه , نَصْبَ عينه , يروحون ويَغدُون عليه , وبكى على يوسف حتّى عنّفه أولاده فقالوا له: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} يوسف: من الآية 85 , فقال: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} يوسف: من الآية 86 يعني: أنه حيّ وأن الله تعالى جامع به الشّمل , ولكن بكائي شوقاً إليه وحُزناً عليه؛ وأمّا محمد - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن له حيّ غير ولد واحدٍ ذكرٍ وهو إبراهيم , فمات فصبر عليه , ولم يظهر منه جزع , وإنما كان بكاؤه عليه ساعةَ الموت رحمةً فجمع (- صلى الله عليه وسلم - بين حالتين هما من أشرف الأحوال الصّبر والرحمة , صبر بلا قسوة , ورحمة) (2) بلا جزع , هذا وكان واحدَه , وقرّة عينه , لم يكن له ولد ذكر غيره , فصبر على فراقه الذي لا طمع في رجوعه , ويعقوب عليه الصلاة والسلام كان له أحد عشر ابناً غيره نصب عينه , وكان