الصلاة والسلام من ملك مصر , وتسلّطه على المشركين أكمل من تسلط يوسف على أهل مصر , وقد كان محمد - صلى الله عليه وسلم - تأتيه الأموال
العظيمة من الفتوح فيقسمها بين الناس فما يقوم وقد بقي عنده منها شيء , ولمّا غنم أموال هوازن وسَبى ذراريهم أمَتُّوا إليه بالرضاع فيهم فقال: «ما كان لي ولبني عبدالمطلب فهو لله ولكم» , فقالت الأنصار: ما (كان) (1) لنا فالله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - , فردّ عليهم جميع سبيهم (2) , فذُكر أنّ الذي أطلقه لهم قُوّم بخمس مائة ألف ألف درهم , وكان عطاؤه - صلى الله عليه وسلم - عطاء من لا يخاف الفقر ق 53/ظ ولا يخشى الفاقة (3) , كان يَقسم فيعطي الرجل المائةَ من الإبل والمائةَ من الغنم وأعطى مرّة غنماً بين جبلين (4) , حتى استغنى أصحابه , وتموّلوا حتّى صاروا أغنياء , ومنهم من صار ملكاً كمعاوية , وأمراء كغيره مما هو مشهور في كتب سيرهم وأخبارهم , فكان حال الخلق في أيام محمد - صلى الله عليه وسلم - أحسن وأطيب من حال الناس في زمان يوسف عليه الصلاة والسلام , وكان عتق محمد - صلى الله عليه وسلم - لهوازن ومنّه عليهم بذلك بعد تملّكهم أعظم من تملّك يوسف عليه الصلاة والسلام أهل مصر , ولا ريب أنّ المعتق بعد التملّك أعظم درجة من المتملّك بغير عتق.
فإن قيل: إن يوسف عليه الصلاة والسّلام لمّا رادوته امرأة العزيز عن نفسه وغلّقت الأبواب وقالت: هيت لك , (قال) (5): معاذ الله , فاستعصم - عليه السلام - عن إجابتها إلى ما أرادت فهدّدتْه بالسجن دعا ربَّه سبحانه فقال: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ