تعالى رؤيا أزال بها حزنه تُوازي رؤيا يوسف في التأويل , حقق الله تعالى وقوعها كما قال الله تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} الفتح: 27 , وكان قد لقي من قومه وعشيرته أشد مما لقي يوسف - عليه السلام - من إخوته كما ذكرنا من تمالُؤ قريش عليه وعلى بني عمّه , فكانت العاقبة والعافية في ذلك كلّه لمحمّد - صلى الله عليه وسلم - , وردّ كيد الكفار في نحورهم , ونصره عليهم , وأُديل عليهم , حتى دخلوا في دينه طوعاً وكرهاً , وشفا الله تعالى صدره منهم وأظهره عليهم.
فإن قيل: إن يوسف - عليه السلام - دعا ربَّه بالموت شوقاً إلى لقائه , قيل: فمحمد - صلى الله عليه وسلم - لما حضر أجله خُيّر بين الحياة والموت فاختار لقاء ربّه تعالى (و) (1) جعل يقول: «الرفيق الأعلى , الرفيق الأعلى» حتى قبض ومالت يَدُه - صلى الله عليه وسلم - (2).
(فصل) (3)
فإن قيل: إن يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسّلام أوتي الحكم صبيّاً , وكان يبكي من غير ذنب , ويواصل الصّوم , قيل: ما أعطي محمّد - صلى الله عليه وسلم - أفضل , فإن يحيى - عليه السلام - وُلد في حجر الصالحين والأنبياء - عليه السلام -و (4) لم يعرف غير عبادة الله تعالى وتوحيده , ومحمد - صلى الله عليه وسلم - تَربّى في مكّة بين قوم جاهليّة أصحاب أصنام وأوثان لا يعرفون (5) عبادة الله تعالى فأُعطي الإيمان وعُصم من عبادة الأوثان ومداخلة أهل الشرك والضلال , فلم يعكف معهم على صنم , ولا دخل بينهم على وثن , وليس عجيباً نسك من رَبِيَ في حجر النبوة وتردد بين الصالحين ونشأ بين العباد المجتهدين وقد كان أبواه بالمنزلة الرفيعة من العبادة فاعتاد من صغره على الخير كما قيل: