بعدما قلعت , وعين عليٍّ بعدما رمدت ودمعت , لقد كان يرى في الظلام كما يرى في الضِّياء , وينظر مَن ورائه كما ينظر من تلقاء , وأمَّهات هذه المفاخر قد سبقت , وارتفعت أفنانها في مكانها وبسَقت , وجملة القول في أحواله , وفصل الخطاب في أقواله وأفعاله , أنّه خير من أقلَّت الغبراء , وأشرفُ مَن أظلَّت الخضراء
ماذا يقول الواصفون له
... وصفاته جلّت عن الحَصْر
الأنبياء كأنجم زُهُرٍ
... ومحمّد أبْهى من البدر ق 91/و
سبحان من جَمع المحاسن في هذا النّبيِّ الكريم , سبحان من منحه بالخُلق العظيم , سبحان من نحله الجمال والجلال , سبحان من طبعه على أكمل الخلال وأجمل الأحوال , فلقد كان أكرمَ الناس وأجود الناس وأحلمَ الناس وأعلمَ الناس وأشرفَ الناس , وأطيبَهم نفساً وأحسنهم عشرة , وأعظمهم صفحاً وأكملهم فِطرة , وأحياهم طَرفاً ,
وأعطرهم عَرْفاً (1) , لم يُؤتَ أحد من الخلق خصلة جميلة إلا وهي فيه أجمل , ولا خُصَّ أحد بخصيصة جليلة إلا وهي عنده أجلُّ وأكمل , مولدُه بمكة , ومهاجَره بطَيْبة , أُرسِل ليُتمِّم مكارم الأخلاق , ويُبلِّغ الرسالةَ إلى الخلق في جميع الآفاق , فقام بأعْباء الرسالة , ونهض بأثقالها وما هالَه , وبَلَّغ ما أُرسل به كما أُمر , وأدَّى الأمانة إلى الخلق وما حُصِر , ونصح الأمَّة وكشف الغُمَّة , ودعا إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة , وعَبَد ربَّه حتى أتاه اليقين , وقد أكمل الله تعالى له الدّين وأتَمّ عليه النّعمة , حتى استقرّ الإيمان في نِصابه , وحفظ الإسلام في إهابه (2) , وضَرَب الدِّين بِجِرَانِه (3) , وثبت على أركانه , ثم مضى لسبيله طيّباً طاهراً نقيّاً زكيّاً , وترك الخلق على بيضاء نقيّة ليلُها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك , ولا يحيد عنها إلا ملحد , فصلوات الله وسلامه عليه , وتحيّاته وبركاته واصلةً إليه , وإلى صاحبيه , وإلى من جاهد بين يديه , صلاةً دائمة إلى يوم الدين , والحمد لله رب العالمين.
آخرُ الكتاب , وحسبنا الله ونعم الوكيل.