وقال بعضهم: الجهد والجهد ليس بإيطاء، ولكنها لغةٌ ألا ترى أنّه لو جعلَ في قافية يحب، وفي أخرى يحب، وفي قافية منتن، وفي أخرى منتن، لكانَ إيطاء. ومن زعم أنَّ ذا ليس بإيطاء دخل عليه أن يزعم أن رمى ورمى، وعالم وعالم، إذا جمع بينهما، وأحدهما ممالٌ، غير إيطاء. وهذا لا يقوله أحدٌ.
ولو جمعت بين بدا بذا وما لذا، فجعلت الذال روياً أو الألف كان ذلك إيطاء. فإن قلت: كرّرت حرف الرّويّ، فقد يدخل عليك أن تفعل هذا بجميع المنفصل الذي ليس بمضمرٍ. وهذا لا يكون، إنما يكون هذا في الاسم المضمر، نحو بدا بك ورمى بك.
وأمّا كتابهم مع ثيابهم فليس بإيطاء، لأنَّ هم اسم مضمر لازم لما قبله حتى كأنّه بعضه. وكذلك دعاهم مع رماهم. وكذلك كلّ موضع يكون المضمر فيه لازماً للأول. وإنما يعرف لزومه للأول في الواحد، ألا ترى أنّ دعاه ورماه لا تستطيع أن تفصل منه المضمر. ولو جاء كما هي مع ألا هي، أو كما هما مع ألا هما، كان إيطاء لأن هذا منفصل من الأول، وهو مبتدأ، تقول: ألا هو وألا هي.
وأمّا أتى به ورمى به، وأتى بهما مع رمى بهما، فقد أكثرت من جمعه الشعراء. وكذلك جميع حروف الجر ممّا ليس باسم، إذا ألزقوها بحروف الإضمار. وذلك أنَّ مجراها في كلامهم كمجرى ما ليس فيه حرفٌ. وإذا لم يكن فيه حرف جر فهو متصل بالأوّل. وإجراؤهم إيّاه مجراه أنّهم يقولون: أزيداً مررت له، فيجرونه مجرى أزيداً ضربته. ويقولون: أزيداً كنت له، يجرونه مجرى أزيداً كنته. ومع هذا أن حرف الجر، الذي هو حرف واحد، غير منفصل مما بعده إذا كان مضمراً، حتى قد يضمر معه الساكن، فنقول: لي وبي، فقد صار معه الساكن. فتقول: لي وبي، فقد صار هو المضمر بمنزلة شيء واحد. والمضمر غير منفصل ممّا قبله، فصار هو والمضمر كشيء واحد متصل بما عمل فيه.
وأمّا تضرب وتضرب فليس بمنزلة لرجل وكرجل، لأنَّ دخول التاء على ضرب قد غيّره إلى بناء آخر يدخله الإعراب. وكذلك لم تضربي لأن الياء من البناء، ولو جعلت هذا للرجل لم تكن الياء فيه. ألا ترى أنك تدخل عليهما العامل كما تدخله على ما فيه الألف واللام. وهي أقوى من الألف واللام، لأنك قد تلقي الألف واللام، ولا تغير البناء، وتثبت الإعراب على حاله.
وأمّا غلامي إذا أردت به الإضافة مع غلام في غير الإضافة فليس بإبطاء، لأنَّ هذه الياء قد ألزمت الميم الكسرة، وصيّرته إلى أن بني عليها. وقولك: لرجل، ليس هذا الكسر الذي فيه ببناء.
وزعموا أن الخليل كان يجعل ما كان لفظه واحداً، واختلف معناه إيطاء. وهذا ينكر، وقد قال هو بخلافه، لأنَّه قد جوز ذهب إذا أريد به الفعل مع ذهب إذا عني به الاسم، وهو الذّهب، والرجل مع الرجل إذا كنت تعني بأحدهما الرجولة، والآخر العلم. ولو كان هذا إيطاء لكان قول الشاعر:
هذا جنايَ وخيارهُ فيهِ
إذْ كلُّ جانٍ يدُه إلى فيهِ
إيطاءً، لأنَّ لفظهما واحدٌ. وأنشدني هذين البيتين يونس، وسمعهما من العرب. فإن قال: فإنّ لفظ هذين قد يختلف في بعض المواضع، قلت: فإنَّ رجلاً إذا كان علماً لم يخالف لفظ رجلاً إذا لم يكن علماً.
قال أبو الحسن: وفي القوافي النّصب والبأو. وذلك كل قافية سليمة من السّناد، تامّة البناء. فإذا جاء ذلك في الشعر المجزوء لم يسمّوه نصباً ولا بأوا، وإن كانت قافيته قد تمت، نحو قوله:
قد جبرَ الدّين الإلهُ فجبر
سمعنا ذلك من العرب.
وليس ذا ممّا سمّى الخليل، وإنما تؤخذ الأسماء عن العرب. وقد يجوز وضع الاسم ليفصل به الشيء من غيره. وليس هذا كالأسماء التي هي أعيانٌ، لأنّ هذه الأسماء عامّة. كلُّ ما كان في مثل البسيط فهو بسيطٌ. وليس كل من كان في حال زيد اسمه زيد.
وفي الشعر التضمين، وليس بعيب، وإن كان غيره أحسن منه. ولو كان كلُّ ما وجد ما هو أحسن منه قبيحاً كان قول الشاعر:
ستبدي لك الأيامُ ما كنتَ جاهلاً ... ويأتيكَ بالأخبارِ منْ لم تزوّدِ
رديئاً، إذا وجد ما هو أشعر منه. فليس التضمين بعيب كل أنّ هذا ليس برديء. والتضمين نحو قول حاتم:
أماويَّ، إنْ يصبحْ صدايَ بقفزةٍ ... من الأرضِ، لا ماءٌ لديَّ ولا خمرُ
تريْ أنَّ ما أنفقتُ لم يكُ ضرَّني ... وأنَّ يدي ممّا بخلتُ به صفرُ
وقول النابغة: