يريد: الكلكلِ والعيهلِ والطّول، فثقل، لأنّ قوماً من العرب يقولون: هذا خالدُّ، فيثقلون في الوقف، وأجازوه في الإطلاق. جعلوه كأحرفٍ تزادُ في الكلام مثل ما يلحق من الياء للمدّ مما لم يكن في الكلام. قال الشاعر:
تنفي يداها الحصى في كلِّ هاجرةٍ ... نفي الدراهيمِ تنقادُ الصياريفِ
فكما زيدتْ هذه الياء فكذلك بيتُ التثقيل. وقال:
لقد خشيتُ أن أرى جدبَّا
في عامنا ذا بعدما أخصبّا
يريد: جدبا وأخصبا. ثم قال:
ثمَّتَ جئتُ حيَّةً أصمَّا
ضخماً يحبُّ الخلقَ الأضخمَّا
وسمعت من العرب من يقول: الضّخمّا، يريد الضّخم. فهذا أشدّ، لأنّه حرّكَ الخاء، وثقّل الميم.
وقد يجوز في هذا القياس تقييد الطويل إذا كان آخره مفاعيلن، لأنَّه إذا قيد جاء مفاعيل من مفاعيلن، وفعولن، وقد جاء. قال الشاعر:
كأنَّ عتيقاً من مهارةِ تغلبٍ ... بأيدي الرِّجال الدافنين ابن عتابْ
وقد فرَّ حصنٌ هارباً وابن عامرٍ ... ومن كانَ يرجو أن يؤوب فما آب
فهذا جائز. وكان الخليل لا يجيزه. وأخبرني من سمع قصيدة امرئ القيس هذه من العرب مختلفة، قالوا: فإنما هي على التقييد:
أحنظلَ لو حاميتمُ وصبرتُمُ ... لأثنيتُ خيراً صادقاً ولأرضان
ثياب بني عوفٍ طهارَى نفيَّةٌ ... وأوجهُهُمْ بيضُ المشاهدِ غرَّانْ
ولا يحمل هذا على: جحر ضبّ ضربٍ، لأنَّ ذل ليس بقياسٍ، والتقييد في هذه القصيدة قياس. وقد قال فيها:
وأنعمَ في حال البلابلِ صفوانْ
ويجوز ذلك في الرَّملِ الذي على أربعة أجزاءٍ، نحو قوله:
قيلُ، قمْ فانظرْ إليهم ... ثم دع عنك السّمودْ
لأنَّه إذا جعله فاعلانْ صار بين فاعلاتُن وفاعلنْ. فهو مثل ما جاء في القياس، ولم نسمعه. ولا أراه إلاَّ لقلَّة هذا الشعر وضعفه. وكان في الكامل أجود، لأنَّ الجزء الذي في الكامل زائدٌ. وأنت إذا قيّدتَ هذا نقصته، فهو أضعف.
ولا يجوز أن تكون الياءُ في قول الشاعر:
بازل عامين حديثٌ سنِّي
لمثلِ هذا ولدَتْني أمِّي
هي الرِّويِّ فيكونَ مقيَّداً، لأنَّه في بنائه شيءٌ أقصرُ منه، فيذهب هذا عنه حتى يصير بينه وبين مستفعلن. والميم والنون هما الرّوي. واختلفا كما ذكرت لك من اختلاف حرف الرّويّ، نحو قوله:
إذا نزلتُ فاجعلاني وسطا
إنِّيَ شيخٌ لا أطيقُ العنَّدا
وليس هذا مثلَ: على حمزهُ، لأنَّ الزايَ هو الرّويّ. وهذا مطلقٌ. وهو إذا جعل الياء هي الرّويّ كان مقيّداً، ولا يجوز تقييده كما لا يجوز تقييدُ: من لم تزوّد، و: من الناتج، لأنَّ تعديل أنصاف الأوائل بأواخرِها أن تطلق. فإذا وصلتَ إلى الإطلاق لم يجز التقييد.
باب
ما يجتمع في آخر ساكنان في قافية
وذلك لا تبنيه العرب إلاّ أن يجعلوا الأوّلَ منهما حرف لين. كذلك قالوه في جميع أشعارهم. وذلك نحو فاعلان في الرّمل، ومستفعلان وزحافه في البسيط، ومتفاعلان وزحافه في الكامل، وفاعلان ومفعولان في السريع، ومفعولان في المنسرح، وفعول في المتقارب. كلّ هذا لا يكون الحرف الذي يلي آخر حرف منه إلاّ حرف مدّ، لأنّه لمّا اجتمع ساكنان كان ذلك ممّا يثقلُ، ولا يكون إلاّ في الإدراج. والقصيدة عندهم بيوتها مدرجةٌ بعضها إلى بعض. فأدخلوا المدّ واللّين ليكونَ عوضاً من ذهاب التحريك وقوةً على اجتماع الساكنين.
وقد جاء بغير حرف لين، وهو شاذّ، لا يقاس عليه:
أرخينَ أذيال الحقيِّ واربعنْ
مشيَ حييّاتٍ كما لمْ يفزعنْ
إنْ تمنعِ اليومَ نساءٌ تمنعنْ
وقد أخبرني من أثقُ به أنِّه سمع:
أنا جريرٌ كنيتي أبو عمرو
أجبنُاً وغيرُه تحت السّترْ
وقد سمعتُ من العرب:
أنا ابن ماويّةَ إذْ جدَّ النَّقر
اسكن القاف. وهي في مستفعلان وما أشبهه ممّا زاد على الجزء أمثلُ، لأنّه لم ينقص منه شيء فيستدرك بالمدّ. وتركُ اللّين في فاعلان في الرّملِ وما أشبهه أقبحُ منه، لأنّه منقوصٌ من فاعلاتن، فترك المدّ فيه أقبحُ، لمّا نقص. وكذلك كلُّ ناقصٍ
هذا باب
ما يكون فيه حرف اللين مما ليس فيه ساكنان