لَمْ تُدْعَ ذَا السَّيْفَيْنِ إلاَّ نَجْدَةًبِكَ أَوْجَبَتْ لَكَ أَنْ تَقَلَّدَ آخَرَا
وأرى أن هذه اللفظة أعني آخر يسهل على الغريزة إشراكها في قوافي التجريد من وجهين: أن التأسيس أكثر ما ورد بكسر الدخيل. وقد يوجد مضموماً. فأما الدخيل المفتوح فقليل جداً. فلما كانت الخاء مفتوحة كانت خالية من التأسيس. والوجه الآخر: أن هذه الألف التي هي التأسيس في آخر كانت في الأصل همزة، وإنما صارت مسدة لعلة. فكأن الحس من الغريزة يقع بتلك الهمزة الأصلية.
وقد أتى امرؤ القيس بمثل ذلك فقال:
إذَا قُلْتُ هَذا صَاحِبٌ قَدْ رَضِيْتُهُ ... وَقَرَّتْ بِهِ العَيْنَانِ بُدِّلْتُ آخَرَا
كَذِلِكَ حَظِّي ما أُصَاحِبُ صَاحِباً ... مِنَ النَّاسِ إلا خَانَنَي وَتَغَيَّرَا
وقد أتى أبو عبادة مرفوضاً بالإجماع فأسس مع الانفصال وعدم الضمير في قوله:
لا يُلْحِقَن إلى الإِسَاءَةِ أُخْتَهَا ... شَرُّ الإساءَةِ أَنْ تُسِئَ مُعَاوِدا
وَارْفَعْ يَدَيْكَ إلى السّمَاحَةِ مُفْضِلاً ... إنَّ فِي القَومِ لِلأَعْلَى يَدَا
شَرْوَى أَبِي الصَّقْرِ الَّذي مَدَّتْ له ... شَيْبَانُ فِي الحَسَناتِ أَبْعَدَهَا مَدَى
وَيَسُرَّني أَنْ لَيْسَ يُلْزَمُ شِيْمَةًمِنْ مَعْشَرٍ مَنْ لَيْسَ يُكْرَمُ مَوْلِدَا
وهو قبيح جداً.
الردف
وهو مأخوذ من ردف الراكب لأن الروي أصل فهو الراكب، وهذا كردفه. وهو يكون من أحد ثلاثة أحرف: الواو، والألف، والياء.
وقد تكون الواو ردفا مع ضم ما قبلها وفتحه، وكذلك الياء مع كسر ما قبلها وفتحه.
والياء التي قبلها كسرة تسمى الحزم المرسل، والتي قبلها فتحة تسمى الحزم المنبسط. وكذلك هو في الواو، إذا انضم ما قبلها أو انفتح. ويقال أيضاً لما انفتح ما قبله من الياءات والواوات الثواني.
فأما الألف فلا يكون ما قبلها إلا مفتوحا ولا تكون إلا ردفاَ محضاً. والردف ما كان الروي بعده بغير حاجز في المطلق والمقيد. فالذي ردفه واو قبلها ضمة قول الشاعر:
فَلَسْتُ لإِنْسِيٍّ وَلكِنْ لِمَلْأكٍ ... تَحَدَّرَ مِنْ جَوِّ السَّمَاءِ يَصُوبُ
والذي ردفه واو قبلها فتحة قول الراجز:
وَمَشْيُهُنَّ بِالخَبيبِ مَؤرُ ... كَمَا تَهَادى الفَتَيَاتُ الزَّوْر
وكقول الشاعر:
يا أيها الرَّاكِبُ المُزْجِي مَطِيَّتُه ... سَائِلْ بَنِي أَسَدٍ مَا هَذِهِ الصَّوْتُ
وكقول:
لَئِن كُنْتَ لا تَدْرِي مَتى أنْتَ مَيِّتٌ ... فإِنَّكَ تَدْرِي أَنَّ غايَتَكَ المَوتُ
وكقول بعض المحدثين وينسب إلى بعض ملوك الهند:
ثِنْتَانِ مِنْ هِمَّتي لا يَنْقَضي أَسَفِي ... عَلَيْهمَا أَبّداً مِنْ خِشْيَةِ الفَوْتِ
لَمْ أَحبْ منتجع الدُّنْيا بِجُمْلَتِها ... وَلا حَمَيْتُ الوَرَى مِنْ صَوْلَةِ المَوْتِ
والذي ردفه ألف كقول امرئ القيس:
وَهَلْ يَنْعَمَنْ إلاَّ سَعيدٌ مُخَلَّدٌ ... قَلِيلُ الهُمُومِ مَا يَبِيْتُ بِأوْجَالِ
سئل بعضهم عن معنى هذا البيت فقال: هو كما يقال: عاش من لا عقل له.
والذي ردفه ياء مكسور ما قبلها قول الشاعر:
وَكَأَينَ رَأَيْنَا مِنْ غَنيٍّ مُذَمَّمٍ ... وَصُعْلُوكِ قَوْمٍ ماتَ وَهْوَ حَمِيدُ
وما كان ردفه ياء مفتوح ما قبلها فقوله:
بَنَاتُ وَطَّاءِ عَلَى خَدِّ اللَّيل ... لا يُشْتَكِينَ عَمَلاً ما أَنْقَيْنْ
وأصحاب الشافعي ينشدون أبياتاً على هذا المنهاج يستدلون بها على أن الطلاق في غير الأزواج من طريق اللغة. ولا شك أنها لبعض المحدثين وهي:
خُذْهَا إِلَيكَ فَإِنَّ وُدَّكَ طَالِقٌ ... مِنِّي وَلَيْسَ طَلاَقَ ذَاتِ البَيْنِ
فَإِنِ ارْعَوَيْتَ فإِنَّهَا تَطْلِيقَةٌ ... وَيَدُومُ وُدُّكَ لِي عَلَى ثِنْتَيْنِ
وَإنِ التَوَيْتَ شَفَعْتُهَا بِمِثَالِهَا ... فَيكُونُ تَطْلِقَيْنِ في ظَهْرَيْنِ
وَإذا الثَّلاثُ أَتَتْكَ مَنِّي بُتَّةً ... لَمْ تُغْنِ عَنْكَ وِلايةُ السِّرَّيْنِ
وذكر سيبويه أن فتح ما قبل الواو والياء لا يجوز. وقد استعملت الشعراء ذلك.