ومما ورد بالفتح أيضاً قول الشاعر:
لَعَمْرُكَ ما أَخْزَى إذا ما سَبَيْتَنِيَ ... إذا لَمْ نَقُلْ بَطْلاً عَلَيَّ وَمَيْنَا
وَلَكِنَّما يَخْزَى امْرُؤ تَكْلِمُ اسْتَهُ ... قَنَا قَوْمِهِ إذا الرِّمَاحُ هَوَيْنَا
وقد ذكر ما ذهب إليه سيبويه أبو بكر الخزاز العروضي.
فأما الواو والياء فتتعاقبان إذا كانتا ردفين في القصيدة الواحدة، فتكون الواو ردفاً في بيت والياء في آخر. فيأتي الواو المضموم ما قبلها مع الياء المكسور ما قبلها؛ الواو المفتوح ما قبلها مع الياء المفتوح ما قبلها.
ولو سلمت القصيدة على شيء واحد، لكان أحسن، لا سيما إن كانت القافية منفذة.
الصلة
وتسمى الوصل أيضاً
وهي حرف يكون بعد الروي متصل به. ويكون أحد أربعة أحرف: الواو، والألف، والياء، والهاء.
وقد تكون الهاء في الوصل أربع حالات، ضم وفتح وكسر وسكون ولا يكون غيرها إلا ساكناً.
وقد يقع في الوصل اشتراك في معنى الحرف، والحرف بحاله فيشارك الواو التي للترنم؛ الواو التي تلحق فعل الجميع؛ وتشارك الألف التي للترنم، التي للتثنية؛ والألف التي هي أصلية. وتشارك الياء التي للترنم؛ الياء الأصلية. وتشارك الياء التي للضمير الهاء الأصلية.
فالواو التي للترنم كقول الفطامي:
قَدْ يُدْرِكُ المُتَأَنِّي بعدَ حَاجَتَهُ ... وَقَدْ يَكُونُ مَعَ المُسْتَعجِلِ الزَّلَلُ
والواو التي لفعل الجميع مثل قوله في هذه القصيدة:
فَلا هُمُ صَالَحُوا مَنْ يَبْتَغِي عَنَتِيوَلا هُمُ كَدَّرُوا الخَيْرَ الِذِي فَعَلُوا
وذلك جائز لا محالة.
وأما الألف التي للترنم فكقوله:
وَمَعْصِيَةُ الشَّفِيقِ عَلَيْكَ مِمَّا ... يَزِيدُكَ مَرَّةً مِنْهُ استِماعَا
ويجوز أن يشاركها ألف مراعى وتداعى وكقول العجاج:
فمن يَعْكفْنَ بِهِ إذا حَجَا ... عَكْفَ النَّبِيطِ يَلْعَبُونَ الفَنْزَجَا
وأما الياء التي للترنم، فكقوله:
وَلَو أَنَّني أَسْعَى لأدنى مَعِيْشَةٍ ... كَفَانِي وَلَمْ أَطْلُب قلُيلٌ مِنَ المَالِ
وقد أتى في هذه القصيدة ما هو من الأصل كقوله:
ألا أنْعِمْ صَباحاً أَيُّهَا الطَّلَلُ البَالِيوَهَلْ يَنْعَمَنْ مَنْ كَانَ فِي العُصُرِ الخالي
ويجوز أن تجئ الياء المخففة من الهمزة وصلا. فيجئ المالى: من ملأ يملأ مع الأحوال، والظامي: من الظمأ مع الإكرام.
قال أبو الفتح بن جني، - رحمه الله تعالى - في تفسير قول المتنبي:
كُلَّمَا رُمْتَ لَوْنَهُ مَنَعَ النَّا ... ظِرَ مَوْجٌ كَأَنَّهُ مِنْكَ هَازِي
أن أصل هازي: هازئ فأبدل الهمزة على حد التخفيف القياسي وجعلها وصلاً بمنزلة الياء التابعة بعد الزاي في الإحراز في اللفظ.
وليس هذا بقياس لأنه لو خففها تخفيف القياس لكانت الهمزة مقدرة. ولو كانت مقدرة فكأنها ملفوظ بها. وإذا كانت كذلك لم يجز أن تكون وصلاً إطلاقاً.
وسألت الشيخ أبا العلاء - رحمه الله تعالى - عما ذكره ابن جني فقال: هذا تسعف لا يحتاج إليه. ويلزم أبا الفتح في هذا أن يجعل الهمزة في ذئب، ورأس، وبؤس إذا خففت كأنها موجود في اللفظ؛ فلا يجعلها تدخل مع الأرداف. لأجل أنها مقدرة. والسماع من العرب وغيرهم مختلف لذلك؛ كقول الجميع الأسدي:
أمَّا إذا حَرَدَتْ حَرْدِي فَمُجْرِيةُ ... ضَبْطَاءُ تَمْنَعُ غِيْلاً غَيْرَ مَقْرُوبِ
وقال في الأبيات:
وَإنْ يَكُنْ حَادِثٌ يُخْشَى فَذُو عَلَقٍ ... تَظَلُ تَزْجُرُهُ مِنْ خَشْيَةِ الذِّيْبِ
فيلزم أبا الفتح أن يجعل الياء في الذيب لا يجوز أن تكون ردفا، وكذلك الواو في قول الأفوه:
إِنَّ بَنِي أَوْدٍ هُمْ ما هُمُ ... لِلْحَرْبِ أَوْ لِلجَدْبِ، عَامَ الشُّمْوُسْ
يَقونَ فِي الحُجْرَةِ جِيرَانَهُم ... بِالمَالِ وَالأنْفُسِ مِنْ كُلِّ بُوسْ
فالواو في بوس مخففة من الهمزة، وقد صارت ردفا مع الواو التي في البيت الأول.
وكذلك قول الآخر:
يَقُواُ لِيَ الأَميرُ بِغَيْرِ جُرْمٍ ... تَقَدَّمْ حِينَ جَدَّ بِنَا المِرَاسُ