قال: وقد كانت لرسول الله في هذا سُنَنًا (1) ليست
ص: 159 نصًّا في القُرَآن، أبان رسولُ الله عَنْ الله معنى ما أراد بها، وتكلَّم المسلمون في أشياءَ مِن فُروعها، لمْ يَسُنَّ رسولُ الله فيها سُنَّة مَنْصوصةً.
- فمِنها: قولُ الله: " فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا (230) " البقرة .
فاحتمل قولُ الله: (حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) : أن يتزوجها زوجٌ غيرُه، وكان هذا المعنى الذي يَسْبِق إلى مَنْ خوطب به: أنها إذا عُقِدَتْ عليها عُقْدةُ النكاحِ فقد نَكَحَتْ.
واحتمل: حتى يُصِيبها زوجٌ غيرُه لأن اسْم (النكاح) يَقَعُ بالإصابة، ويقع بالعقد.
فلَمَّا قال رسولُ الله لامْرأة طلَّقَها زوجُها ثَلَاثًا ونَكَحَها بَعْدَه رجلٌ: " لاَ تَحِلِّينَ حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ
ص: 160 وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ "، يعني: يُصيبك زوج غيره؛ والإصابة: النكاح.
فإن قال قائل: فاذْكر الخبَرَ عَنْ رسولِ الله بما ذكرْتَ.
قيل: أخبرنا "سفيان" عن "ابن شهاب" عن "عروة" عن "عائشة": " أنَّ امْرَأةَ رِفَاعَةَ
ص: 161 جَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ، فَقَالَتْ: إنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي، وَإنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ تَزَوَّجَنِي، وَإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ (2) ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ؟ لاَ، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ " (3) .
قال "الشافعي": فَبَيَّن رسولُ الله، أنَّ إحلالَ الله إيَّاها للزوج المُطَلِّقِ ثلاثاً بَعْدَ زَوْجٍ بالنكاح: إذا كانَ مَع النِّكاحِ إصابَةٌ مِن الزوجِ.