قال "الشافعي": قال لي قائل: قد اختُلِفَ في التَّشَهُّدِ، فرَوَى "ابن مسعود" عن النبي: " أنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُهُمْ
ص: 268 السُّورَةَ مِنَ القُرَآن "، فقال في مُبْتَدَاهُ ثلاث كلماتٍ: " التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ "، فَبِأيِّ التشهد أخَذْتَ؟
فقلت: أخبرنا "مالك" عن "ابن شهاب" عن "عروة" عن "عبد الرحمن بن عبدٍ القارِيِّ" أنَّه سمع "عمر بن الخطاب" يقول على المنبر، وهو يُعَلِّمُ الناس التشهُّدَ، يقول: قولوا: " التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ، الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أشْهَدُ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ " (1) .
قال "الشافعي": فكان هذا الذي عَلَّمَنا مَنْ سبَقَنا بالعلم مِنْ فُقهائنا صِغاراً، ثم سمعناه بإسنادٍ وسمعنا ما خالَفَه، فلم نسمع إسناداً في التشهد، يخالِفه ولا يُوافقه: أثْبَتَ عِندنا منه، وإنْ كان غيرُه ثابِتًا.
ص: 269 فكان الذي نذهب إليه: أنَّ "عمر" لا يُعلِّم الناس على المنبر بيْن ظَهْرَانَيْ أصحاب رسول الله، إلا على ما علَّمَهم النبي.
فلَمَّا انتهَى إلينا مِن حديث أصحابنا حديثٌ يُثْبِته عن النبي صِرْنا إليه، وكان أوْلَى بِنا.
قال: وما هو؟
قلت: أخبرنا الثقة، وهو "يحي بن حسَّان" عن "الليث بن سعد" عن "أبي الزبير المكي" عن "سعيد بن جبير" و"طاوس" عن "ابن عباس" أنَّه قال: " كَانَ رَسُولُ اللهِ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا القُرَآن، فَكَانَ يَقُولُ: التَّحِيَّاتُ المُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ،
ص: 270 سَلاَمٌ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، سَلاَمٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أشْهَدُ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ " (2) .