أخبرنا "ابن عيينة" عن "الزهري" عن "عبيد الله بن عبد الله بن عُتْبَة" عن "ابن عباس" قال: أخبرني "الصَّعْبُ بن جَثَّامَةَ" " أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ يُسْأَلُ عَنْ أَهْلِ الدَّاِر مِنَ المُشْرِكِينَ يُبَيَّتُونَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: هُمْ مِنْهُمْ ". وَزَادَ "عمرو بن دينار" عن "الزهري" " هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ " (1) .
ص: 298 أخبرنا "ابن عيينة" عن "الزهري" عن "ابن كَعْب بن مالك" عن عَمِّهِ: " أَنَّ النَّبِيَّ لَمَّا بَعَثَ إِلَى "ابن أبي الحُقَيْقِ"، نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالوِلْدَانِ " (2) .
قال: فكان "سفيان" يذهب إلى أنَّ قولَ النبي: " هُمْ مِنْهُمْ " إباحَةٌ لِقَتْلِهم، وأنَّ حديث "ابن أبي الحُقَيْقِ" ناسخ له، وقال: كان "الزهري" إذا حدَّثَ حَديثَ "الصَّعْب بن جَثَّامَةَ"، أتْبَعَهُ حديث "ابن كعب".
ص: 299 قال "الشافعي": وحديث "الصَّعْب بن جَثَّامَةَ" في عُمْرَةِ النبي، فإنْ كان في عُمرته الأولى فقد قيل: أمرُ "ابن أبي الحُقَيْقِ" قَبْلَهَا، وقيل: في سَنَتِها، وإنْ كان في عُمرته الآخِرة، فهو بعْدَ أمْرِ "ابن أبي الحُقَيْقِ" غَيْرَ شَكٍّ، والله اعلم.
ولم نَعْلَمْه - صلى الله عليه - رخَّص في قتل النساء والوِلْدان ثم نهى عنه.
ومعنى نهيه عندنا - والله أعلم - عن قتل النساء والوِلدان: أن يَقْصِدَ قَصْدَهُمْ بِقتل، وهم يُعْرفون مُتَمَيِّزين ممن أمَرَ بقتله منهم.
ومعنى قوله: هُمْ مِنْهُمْ: أنهم يجمعون خَصْلَتَيْنِ: أنْ
ص: 300 ليس لهم حُكْم الإيمان الذي يُمْنَع به الدَّمُ، ولا حكمُ دار الإيمان الذي يُمنع به الإغارةُ على الدَّارِ.
وإذْ أباحَ رسولُ الله البَيَاتَ والإغارة على الدار، فأغار على بني المُصْطَلِقِ غارِّين: فالعلم يحيط أن البيات والإغارة إذا حَلَّ بإحلال رسول الله لم يمتنع أحدٌ بَيَّتَ أوْ أغارَ مِن أن يُصيب النساء والوِلدان، فيسقط المَأْثَمُ فيهم والكفارةُ والعقْلُ والقَوَدُ عَن من أصابهم، إذ أُبيح له أن يُبَيِّتَ ويُغير، وليست لهم حُرْمة الإسلام.
ولا يكون له قتْلُهم عامِداً لهم متميزين عارفاً بهم.
فإنما نهى عن قتل الوِلدان: لأنهم لم يَبْلُغوا كُفْرًا فيَعملوا به، وعن قتل النساء: لأنه لا معنى فيهن لقتالٍ وأنهن والوِلدان يُتَخَوَّلُون (3) فيكونون قوَّةً لأهل دين الله.